مع تفعيل آلية الزناد في السادس من أكتوبر 2025، وإعادة فرض قرارات مجلس الأمن الستة ضدّ النظام الإيراني، دخل هذا النظام مرحلة جديدة من التفكّك الداخلي والصراع بين أجنحته. فالخطوة التي كان يُفترض أن تشكّل إنذاراً دولياً حول برنامجه النووي والصاروخي، تحوّلت إلى مرآة كشفت عمق التناقضات داخل بيت المرشد خامنئي، حيث تصاعدت الاتهامات المتبادلة بين التيارات الحكومية بالخيانة والتفريط في "الحقوق النووية".
العقوبات الجديدة لم تستهدف الشعب الإيراني ولا السلع الإنسانية، بل طالت مؤسسات النظام المالية والعسكرية، وعلى رأسها الحرس الذي يسيطر على أكبر شبكات التهريب والفساد. ومع ذلك، لم يتردّد المتشدّدون في الاحتفال بما وصفوه "انتصاراً للممانعة"، فيما يعيش الشعب الإيراني أسوأ أزماته المعيشية منذ عقود.
هذا المشهد عبّر عنه نائب النظام السابق حشمت الله فلاحت بيشه عندما كتب: "يحتفل المتطرّفون بعودة العقوبات بينما موائدهم الملوّنة تُقام على حساب الأطفال الذين ينامون جياعاً." غير أنّه لم يجرؤ على تسمية هذه الجماعة، لأنّ الجميع يعلم أنّها جناح الحرس وتجار العقوبات الذين يجنون المليارات من اقتصاد الظلّ، ويتحكمون في عائدات النفط والعملة وعمليات التهريب.
لقد قال الوزير السابق عبد الناصر همتي في جلسة استجواب نادرة أمام برلمان النظام: "إنّ 80% من الشعب يُسحقون تحت تكاليف يفرضها المهربون وتجار العقوبات. لدينا أكثر من 30 مليار دولار من التهريب سنوياً، ولا أحد يجرؤ على محاسبة المتورطين." تصريحاته هذه فتحت نافذة على واقعٍ صادم يؤكد أنّ اقتصاد النظام بات رهينة لعصابات الحرس، وأنّ العقوبات ليست مصدراً للألم بقدر ما هي وقودٌ لفساد منظّم يخدم بقاء النظام.
فالنظام الإيراني، في جوهره، لا يعيش إلا على إدارة الأزمات وتصديرها. فهو الذي أشعل الحروب بالوكالة في المنطقة لتغطية انهياراته الداخلية، وحوّل العقوبات إلى سوقٍ مغلقة يستفيد منها كبار رجاله. وكلما ازداد الضغط الدولي، ازدادت أرباحهم، فيما يزداد فقر الشعب. هذه المفارقة هي التي جعلت من خامنئي زعيماً لأكثر نظامٍ يستفيد من الأزمات التي يدّعي أنه ضحيتها.
وفي مقابل هذا المشهد القاتم، تتقدّم المقاومة الإيرانية بخطى ثابتة لتعرية هذه المنظومة أمام العالم. فهي التي كشفت دور الحرس في تهريب النفط والسلاح، وأزاحت القناع عن شبكة مالية معقدة تموّل الحروب في لبنان واليمن وغزّة. لقد استطاعت هذه المقاومة أن تحوّل الغضب الشعبي داخل إيران إلى حركة سياسية منظّمة، تمتد أصواتها اليوم إلى عواصم العالم.
وفي هذا السياق، شهدت نيويورك خلال اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة تظاهرات حاشدة للإيرانيين الأحرار وأنصار المقاومة، رفعوا فيها شعار: "لا لتجار العقوبات، نعم لإيران حرّة." وقد امتدت هذه الفعاليات إلى بروكسل وباريس وبرلين، لتؤكّد أنّ معركة الشعب الإيراني ضدّ هذا النظام لم تعد شأناً داخلياً، بل قضية عالمية ترتبط بأمن المنطقة واستقرارها.
اليوم، ومع تفعيل آلية الزناد، لم تعد إيران مجرّد دولة تحت العقوبات، بل نظام ينهار من الداخل تحت ثقل فساده وعزلته. وكما قال أحد المتظاهرين في نيويورك: "السلام في الشرق الأوسط يبدأ من سقوط النظام الإيراني." وهذه الحقيقة باتت تجد صداها يوماً بعد يوم في الشوارع والمنتديات الدولية، حيث أصبح العالم يدرك أن نهاية تجّار العقوبات هي بداية الحرية للشعب الإيراني.