في ظل التجاذبات الدولية حول الملف النووي الإيراني، وجد نظام الملالي نفسه عالقًا في مأزق “آلية الزناد” الأوروبية، وسط مخاوف من عودة قرارات مجلس الأمن الست وعقوباتها الثقيلة. وفي خطوة اعتُبرت محورية، تم توقيع اتفاق في القاهرة يوم الثلاثاء 9 سبتمبر بين عباس عراقجي، مساعد وزير خارجية النظام، ورافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأكد غروسي أمام مجلس محافظي الوكالة في فيينا أن الاتفاق يشمل تفتيش جميع المنشآت والمواقع الإيرانية، بما في ذلك تلك التي تعرضت لهجمات مثل نطنز وفردو وأصفهان، مع تقديم تقارير عن المواد النووية الموجودة فيها. واعتبر الاتفاق وسيلة لمنع عدم امتثال إيران لالتزاماتها، خصوصاً بعد توقف عمليات التفتيش إثر هجمات يونيو وقانون البرلمان الإيراني الذي عطل التعاون.
إلا أن عراقجي سارع فور التوقيع إلى نفي الاتفاق بشكل كامل، مؤكداً في مقابلة تلفزيونية أنه “لن يُمنح المفتشون أي وصول جديد”، وأن طبيعة الوصول ستُحدد في مفاوضات لاحقة. هذا التناقض فاقم الأزمة وأثار استياء القوى الأوروبية الثلاث (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) التي أكدت تمسكها بتفعيل “آلية الزناد” ومواصلة الضغط على إيران للكشف عن مخزونها من اليورانيوم المخصب وإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة.
صحيفة “وول ستريت جورنال” أشارت إلى أن اتفاق القاهرة يفتقد إلى جدول زمني محدد ويعجز عمليًا عن تقديم ضمانات، مما يترك مأزق النظام قائماً، ويشير إلى ضعف قدراته على إدارة الأزمة داخليًا وخارجيًا.
وفي الداخل الإيراني، أثار هذا التخبط عاصفة من الصراعات الكلامية، دفعت النظام إلى إغلاق البرلمان لمدة 18 يومًا، وفق ما ذكرت وسيلة الإعلام الحكومية “آسيا نيوز”، معتبرة هذا القرار فشلاً استراتيجياً في إدارة الحكم وسط أزمة حادة على المستوى الدولي.
ويأتي هذا السياق السياسي والنووي بينما يواصل الشعب الإيراني نشاطه، وهو ما تجسد في تظاهرة كبيرة في بروكسل بتاريخ 6 سبتمبر، حيث شارك عشرات الآلاف من الإيرانيين في الداخل والخارج، مؤكدين رفضهم لسياسات النظام ورفعهم شعار الحرية والديمقراطية. وتعد هذه التظاهرة انعكاسًا مباشرًا لإرادة الشعب، ودعمًا للمقاومة الإيرانية التي تقودها منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
ويستعد الإيرانيون في الولايات المتحدة لتنظيم تظاهرة كبرى في نيويورك يومي الثلاثاء والأربعاء 23 و24 سبتمبر، لتعزيز صوت الشعب الإيراني ومطالب الحرية والديمقراطية، وإيصال رسالة واضحة بأن التهديدات النووية للنظام لن تثني المجتمع الدولي والإيرانيين عن مطالبهم المشروعة بحقهم في التغيير.
إن مأزق النظام النووي وتناقض تصريحات مسؤوليته، إلى جانب التظاهرات الشعبية الكبيرة في بروكسل والاستعدادات لتظاهرة نيويورك، تؤكد أن إرادة الشعب الإيراني، سواء في الداخل أو الخارج، تمثل قوة حقيقية لا يمكن تجاهلها، وأن أي محاولة للتهرب من الالتزامات الدولية ستواجه صمودًا متزايدًا من جانب المجتمع الدولي والإيرانيين على حد سواء.