تحولت ساحة أتوميوم الشهيرة في بروكسل اليوم، السبت 6 سبتمبر، إلى بحر هادر من الأعلام الإيرانية والشعارات التي لم تتوقف، حيث احتضنت استعراض قوة تاريخي هو الأضخم من نوعه في أوروبا.
عشرات الآلاف من الإيرانيين وأنصار المقاومة، من مختلف الأجيال، قدموا من كافة أنحاء القارة ليشاركوا في تظاهرة مدوية بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
كان المشهد مهيباً؛ طاقة هائلة من الغضب والأمل تملأ الهواء، والهتافات التي تطالب بإسقاط النظام ترجّ أرجاء المكان، معلنةً بوضوح أن البديل الديمقراطي، بقيادة السيدة مريم رجوي وبدعم دولي رفيع المستوى، بات أقوى من أي وقت مضى.

وعندما اعتلت السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المنصة وسط هتافات الحشود التي لم تتوقف، ألقت خطاباً تاريخياً شاملاً شكل محور هذا الحدث العالمي.
افتتحت كلمتها قائلة: "مضت ستون سنة. ستون عاماً من النضال بلا يوم واحد ولا ساعة واحدة من التوقف، في وجه ديكتاتوريتين: الشاه والملالي".
وأكدت أن سر بقاء مجاهدي خلق وصمودهم، رغم تقديم 120 ألف شهيد ومواجهة أعتى حملات القمع، يكمن في مبدأين أساسيين: الحفاظ على الاستقلال السياسي والمالي، والسعي الدؤوب ليس للسلطة، بل "لحرية الشعب الإيراني ونقل السيادة إليه".
وفي جزء محوري من كلمتها، عرضت السيدة رجوي بوضوح برنامج المقاومة لإيران الغد، مذكرة بالمهام العاجلة للحكومة المؤقتة بعد إسقاط النظام، والتي تشكل أساس خطتها ذات النقاط العشر.

ومن أبرز هذه المهام، التي قوبل ذكرها بتصفيق حار وهتافات "حرية، حرية"، هي: إجراء انتخابات حرة، إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، حل جميع أجهزة القمع وعلى رأسها الحرس الثوري، تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، الحكم الذاتي لكردستان إيران، ومحاكمة مسؤولي جرائم نظامي الشاه والملالي.
واختتمت كلمتها برسالة حاسمة للعالم الغربي: "إن الحل هو الحل الثالث فقط؛ أي: لا استرضاء ولا حرب، بل تغيير النظام على يد الشعب ومقاومته المنظمة. لا تؤجلوا أكثر في إدراج الحرس على قوائم الإرهاب، واعترفوا بحق وحدات المقاومة".

وقد جاءت كلمات الشخصيات الدولية البارزة لتصب في نفس الاتجاه، معززةً رسائل السيدة رجوي. حيث قال مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي السابق، في خطاب حماسي: "إحدى أكبر الأكاذيب هي أنه لا يوجد بديل، لكن هناك بديل منظم وجاهز تماماً، وهو المجلس الوطني للمقاومة. إن أكبر تهديد للنظام ليس أمريكا، بل هو الشعب الإيراني نفسه. أدعو حلفاءنا في أوروبا لاغتنام هذه اللحظة وفرض عقوبات ساحقة على النظام".
بدوره، رفض جون برکو، رئيس مجلس العموم البريطاني الأسبق، بشدة محاولات تقديم بدائل زائفة، قائلاً وسط تأييد الحشود: "لا نرید شاهًا صغیراً أو أميراً مهرجاً. البدیل الحقیقی والمجسد هو المجلس الوطنی للمقاومة".
أما غاي فيرهوفستات، رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، فقد وجه انتقاداً لاذعاً لأوروبا، داعياً إلى استراتيجية جديدة تقوم على تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية وبدء حوار مع المعارضة.
وقد أضاف عضو الكونغرس الأمريكي السابق باتريك كينيدي بعداً إنسانياً وتاريخياً عميقاً للحدث، حيث وجه تحية خاصة لسكان أشرف 3 وأكد أن النضال من أجل إيران "قضية حقوق إنسان عالمية".
وفي لحظة مؤثرة، استحضر الخطاب الشهير لعمه، الرئيس جون ف. كينيدي، واختتم كلمته باللغة الفارسية قائلاً: "اليوم، أنا فخور بأن أردد كلماته وأقول: 'من إيراني هستم' (أنا إيراني)"، مما أثار عاصفة من التصفيق.

من جانبه، قدّم أليخو فيدال-كوادراس، النائب السابق لرئيس البرلمان الأوروبي والناجي من محاولة اغتيال دبرها النظام مؤخراً، شهادة حية وقوية. خاطب الحشود قائلاً: "أنتم لستم فئة مهمشة، أنتم صوت الملايين من الإيرانيين. وجودكم هنا هو استفتاء حي".
وأضاف في رسالة مؤثرة للغاية: "إذا كنت قد نجوت من هجوم الملالي الجبان والوحشي، فذلك لأقف معكم بحماس وتفانٍ أكبر من أي وقت مضى".
واختتم بتعهد شخصي: "أتعهد بأن أبقى جندياً فخوراً في صفوفكم، تحت رايتكم بقيادة رئيستنا مريم رجوي، حتى الوصول إلى إيران حرة".

لم يكن الحشد مجرد أرقام، بل كان فسيفساء من الأجيال؛ شباب ولدوا في المنفى يهتفون بحماس من أجل وطن لم يروه، وسجناء سياسيون سابقون يحملون صور رفاقهم الشهداء، وعائلات قطعت آلاف الكيلومترات لتكون جزءاً من هذا اليوم التاريخي.
كانت الشعارات لا تتوقف، تتردد في أرجاء الساحة: "الموت للظالم، سواء كان الشاه أو المرشد"، "تحيا رجوي"، "جيش الشعب، إلى الأمام!".
إن تجمع "إيران الحرة 2025" في بروكسل لم يكن مجرد احتفال، بل كان إعلاناً سياسياً مدوياً بأن المقاومة الإيرانية، بطاقتها الشعبية الهائلة وعمقها التاريخي ودعمها الدولي المتزايد، هي القوة الوحيدة القادرة على تحقيق التغيير الديمقراطي في إيران.