كشف الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري، مساء اليوم السبت، عن تفاصيل صادمة لأزمة تعثر صرف مرتبات الجيش والموظفين للشهر الرابع على التوالي، في ظل صراع نفوذ متصاعد بين الحكومة ومحافظ البنك المركزي أحمد أحمد المعبقي، يتحول إلى حرب باردة على خلفية الصلاحيات وأولويات الصرف.
وقال تقرير للداعري رصده نافذة اليمن على حسابه الرسمي بموقع فيس بوك، إن المحافظ أحمد غالب المعبقي يرفض بشكل قاطع جميع الخيارات الثلاثة التي تطرحها الحكومة لتمويل صرف المرتبات، واصفًا إياها بـ "التضخمية والكارثية"، والتي من شأنها أن تقضي على جهود البنك المركزي الحثيثة لتحقيق الاستقرار النقدي وتعزيز صرف العملة المحلية، التي شهدت استقرارًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة.
أما عن الخيارات المطروحة والمرفوضة فهي:
1. السحب بالمكشوف: تطلب الحكومة من البنك المركزي العودة إلى سياسة الإدارات السابقة بالسحب من الحساب المكشوف للحكومة، والذي يُقدّر بعجز فادح يتجاوز الترليونات من الريالات. يرفض المعبقي هذا الخيار بشدة، مشترطًا على الحكومة سد جزء من هذا المكشوف أو تأمين مصادر دخل ثابتة تمكن البنك من الوفاء بالتزاماته الدولية وأولوياته.
2. الاستيلاء على احتياطيات البنوك: الخيار الثاني يتمثل في استخدام البنك المركزي للاحتياطيات الإلزامية للبنوك التجارية ومكاسب تحسن سعر الصرف. وهذا الخيار مرفوض هو الآخر من قبل قيادة البنك، باعتبار أن هذه الأموال ملك للبنوك، وأن الحكومة عاجزة عن إجبار أكثر من 147 جهة حكومية على توريد إيراداتها إلى خزينتها في البنك المركزي بدلاً من البنوك التجارية وشركات الصرافة، مما يحرم البنك من أهم مصادر السيولة.
3. إطلاق العملة المطبوعة المحتجزة: الخيار الثالث والأكثر إثارة للجدل هو الضغط لصرف المرتبات من أموال العملة المطبوعة سابقًا والمحتجزة في موانئ عدن وجدة والمكلا. البنك المركزي يرى في هذا الخيار "نقطة اللا عودة" و "كارثة مالية" ستعيد البلاد إلى مربع الانهيار النقدي وتغذي مضاربات الهوامير، بينما يرى مؤيدوه أن تعطل الدولة عن أداء أبسط واجباتها هو الكارثة الحقيقية.
خلاف أعمق على الأولويات:
وأوضح الداعري أن الخلاف لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى صراع على أولويات الصرف. حيث تشكو الحكومة من تجاوز المحافظ لصلاحياته بصرف تعزيزات مالية لتغطية بنود خارج أولوياتها، ولصرف مرتبات جهات (كوزارة الدفاع) لا تمثل أولوية في نظرها رغم ظروف الحرب. في حين يبرر المعبقي موقفه بأن الحكومة "المديونة والعاجزة" لا يحق لها أن تفرض أولوياتها على حساب استقلالية البنك المركزي كسلطة نقدية تقوم بمهام وزارة المالية والحكومة معًا.
نفق مسدود.. والحل مستحيل دون تدخل رئاسي:
وفي تحليله للأزمة، أشار الداعري إلى أن كلا الطرفين يمتلك مبرراته المقنعة قانونيًا وإداريًا، إلا أن هذه المبررات "لا تعبأ بمعاناة المواطن" وتضيع في متاهات نصوص قانونية فضفاضة حول استقلالية البنك المركزي وإطار عمله مع الحكومة.
ولفت إلى أن الحل الوحيد يكمن في تدخل مجلس القيادة الرئاسي لفض هذه الخلافات وتقديم الضمانات الكاملة للمحافظ للتصرف دون تحمل تبعات لاحقة، وإلزام الجهات الحكومية – التي تخضع لنفوذ أعضائه – بتوريد مواردها للبنك المركزي. محذرًا من أن أي تفكير في حلول أخرى، مثل تغيير محافظ البنك، هو حل صعب نظرًا للدعم الدولي الكبير الذي يحظى به المعبقي من قبل صندوق النقد الدولي ومجلس التعاون الخليجي.
وختم الداعري تقريره بالقول: "وبالتالي فالحل بيد مجلس القيادة الرئاسي حيث يكمن العطل والفساد والخراب أيها الشعب المنكوب.. والله على ما أقول شهيد."