في سجون نظام ولاية الفقيه، فقد القانون معناه. فما لم يُكتب على جدران السجون الباردة والرطبة، لكن الجميع يعلمه، هو: ابق حياً لتُكسر . السجن في إيران ليس مكاناً لتطبيق العدالة أو الإصلاح، بل هو أداة للقمع السياسي والتعذيب النفسي وتدمير أجساد البشر وأرواحهم. في مثل هذا النظام، كل سجين سياسي هو في الحقيقة رهينة لنظام يتغذى على معاناته.
من الزنازين الانفرادية إلى عنابر النساء والسجون المروعة مثل إيفين وشيبان وعادل آباد، يظهر نمط متكرر: الفوضى القانونية المطلقة، الإذلال الممنهج، والتعذيب في صمت. فالتقارير المتعددة عن ضرب السجناء وتعنيفهم، والاحتجاز المطول في الحبس الانفرادي، والاعتقال دون أمر قضائي، والحرمان من التواصل مع العائلة، كلها تشير إلى هيكل لم يطبق القانون، بل دفنه.
وفقاً للمادة ٥ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة ٧ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة. كما تنص قواعد نيلسون مانديلا على أن احترام كرامة السجناء الإنسانية هو جزء لا يتجزأ من أي نظام قضائي. لكن في السجون الإيرانية، التعذيب ليس انتهاكاً، بل هو ممارسة عادية ومدعومة من قبل الأجهزة الأمنية. يعمل الضباط والمحققون وحتى القضاة بحصانة كاملة، ويُقابل أي احتجاج من السجين بالتهديد بالإعدام أو تلفيق تهم جديدة.
السجن في إيران هو مرآة تعكس نظام ولاية الفقيه بكل وضوح: مكان يحل فيه الكذب محل القانون، وتُذبح العدالة عند أقدام السلطة. نساء مثل مهري خسروي زاده يقضين شهوراً وسنوات في السجن بتهمة أداء نشيد كردي، ورجال مثل محمد نجفي بسبب احتجاجهم على الظلم؛ دون الحصول على محام مستقل أو محاكمة علنية. حتى العائلات ليست بمنأى عن هذا القمع، وتواجه التهديد والاستدعاء والحرمان من الزيارة.
لكن معتقل التعذيب الصامت هذا لم يتمكن من إسكات صوت الإنسانية. فمن داخل هذه الزنازين، تخرج رسائل شجاعة وصمود. السجناء الذين يضربون عن الطعام احتجاجاً على التعذيب والإعدام، يصرخون في الواقع بأن القانون لا يزال حياً، ليس في أيدي الحكام، بل في قلوب من يؤمنون بالإنسان والحرية.
قد يتمكن النظام الإيراني من إخفاء الحقيقة لبعض الوقت، لكنه لن يستطيع تخليد موت القانون. فكل تقرير، وكل شاهد، وكل اعتراف، هو دليل على أن سجون ولاية الفقيه هي مقبرة القانون والضمير الإنساني. وسيأتي يوم تشهد فيه الجدران نفسها التي بنيت لإسكات الحقيقة، على الجريمة التي ارتكبت في صمت.