تشير المعطيات المتراكمة إلى أنّ نظام إيران يعيش أخطر لحظاته منذ تأسيسه قبل أكثر من أربعة عقود، وأنّ احتمالات التغيير الديمقراطي باتت أقرب من أي وقت مضى. فالاستراتيجية التي اعتمدها النظام لفرض هيمنته الإقليمية عبر الحروب بالوكالة انهارت بشكل متسارع، فيما الداخل الإيراني يغلي على وقع أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة. وفي المقابل، صعدت حركة المقاومة الشعبية إلى مستوى غير مسبوق، وهو ما يفرض على الغرب مراجعة سياساته القائمة على الاسترضاء وفتح صفحة جديدة بدعم تطلعات الشعب الإيراني.
تفكك مشروع الهيمنة الإقليمية
خلال سنوات طويلة، استثمر النظام في دعم ميليشياته التابعة مثل حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن، حماس في غزة، والميليشيات الطائفية في العراق، ليبني لنفسه ما يشبه “الإمبراطورية الظل”. غير أنّ هذا البناء بدأ ينهار تباعاً. سقوط بشار الأسد، الحليف الأبرز للنظام في دمشق، شكّل ضربة قاصمة، تلتها الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حماس وحزب الله وأفقدتهما رأس القيادة. كما أظهرت الضربات المباشرة على الأراضي الإيرانية عجز النظام عن الدفاع عن نفسه، ما كشف خواء استراتيجيته القديمة التي اعتمدت على تصدير الأزمات إلى الخارج.
أزمة داخلية غير مسبوقة
الداخل الإيراني يعيش انهياراً شاملاً: الاقتصاد متهاوٍ، العملة فقدت قيمتها التاريخية، وأكثر من ثلثي الشعب يعيش تحت خط الفقر الدولي. الأجور الشهرية المتدنية لا تكفي لتأمين أساسيات الحياة، فيما الفساد ينخر في مفاصل الدولة. هذه الظروف دفعت إلى موجات متصاعدة من الاحتجاجات والإضرابات، وأعادت إلى الأذهان انتفاضات سابقة لم تُطفأ جذوتها. ومع اتساع الهوة بين الشعب والنظام، لم يعد الاستمرار ممكناً بالأساليب القمعية وحدها.
صعود المقاومة الشعبية
في هذا السياق، برز دور وحدات المقاومة التابعة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق. هذه الوحدات باتت تنفّذ أنشطة يومية جريئة: من اختراق بث التلفزيون الرسمي لبث رسائل المقاومة وصور السيدة مريم رجوي، إلى كتابة الشعارات على جدران المؤسسات الحكومية، وصولاً إلى استهداف مقرات الحرس. ورغم حملات الاعتقال والإعدامات، حيث قُتل أو اعتُقل الآلاف منذ انتفاضة 2022، فإنّ الحركة لم تتراجع، بل اكتسبت زخماً جديداً.
وفي موازاة هذه المقاومة داخل إيران، تشهد الساحات العالمية تضامناً متزايداً. التظاهرات الحاشدة الأخيرة في نيويورك، والتي شارك فيها آلاف الإيرانيين المقيمين وأنصارهم، شكّلت رسالة واضحة بأنّ معركة الحرية تجاوزت الحدود الوطنية، وأنّ العالم لم يعد يتجاهل صوت الشعب الإيراني المطالب بالحرية والعدالة.
رفض البدائل الوهمية
في مقابل ذلك، يتواصل الجدل حول بعض الأسماء التي تحاول الادعاء بتمثيل الشعب. لكن الوقائع على الأرض تُظهر أن الشعب لم يعد يلتفت إلى مثل هذه البدائل المصطنعة، خصوصاً أولئك الذين يعيشون حياة مترفة في الخارج دون أي دور فعلي في الصراع. التجربة أثبتت أن الرهان الوحيد الجاد هو على المقاومة المنظمة، وليس على مشاريع فردية أو وعود جوفاء.
الملف النووي والتهديد العالمي
على الصعيد النووي، يواصل النظام نهجه في الخداع. ورغم الاتفاقيات السابقة، يقترب بسرعة من امتلاك قدرات لصناعة قنبلة نووية. هذا المسار لا يهدد فقط المنطقة، بل الأمن العالمي بأسره. لذلك، لا بد من تفعيل العقوبات الرادعة وإعادة فرض آليات المساءلة الدولية لقطع الطريق أمام سباق تسلح نووي خطير.
أفق التغيير
اليوم، يقف النظام الإيراني أمام مفترق تاريخي: لم تعد القمعية الداخلية ولا أدوات الهيمنة الخارجية قادرة على إنقاذه. البديل الواضح يتمثل في المقاومة المنظمة التي تقودها السيدة مريم رجوي، صاحبة مشروع ديمقراطي يقوم على الحرية، المساواة بين الجنسين، إلغاء عقوبة الإعدام، وإنهاء البرنامج النووي العسكري. نجاح هذا البديل لن يغيّر وجه إيران فحسب، بل سيعيد رسم ملامح الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط والعالم.