في مدينة تعز، تحولت الصيدليات إلى مراكز صحية مصغرة بلا تراخيص وبلا كوادر مؤهلة، في ظاهرة مقلقة تهدد حياة المواطنين وتكشف حجم الفوضى في القطاع الصحي، وسط غياب كامل للرقابة والمسؤولية الرسمية.
وتفرض معظم دول العالم شروطًا صارمة لمنح تراخيص فتح الصيدليات، تشمل التحقق من الحاجة للصيدلية، نوعية المعروض، الالتزام بصرف الأدوية الموصوفة طبيًا فقط، ومنع بيع أي منتج غير مرخص، إلا أن الواقع في تعز مختلف تمامًا. فالصيدليات باتت تغزو الشوارع والأحياء بكثافة تتجاوز البقالات والمطاعم، ويُدار جزء كبير منها من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالقطاع الصحي، بعضهم لا يحمل حتى شهادة إعدادية.
المواطنة (ك،ع،س) روت معاناتها بعد أن اشترت من إحدى صيدليات مديرية المظفر حقنة "ديبروفوس" لطفلها البالغ ثلاث سنوات، بناءً على توصية البائع غير الصيدلي، وتدهورت حالة الطفل الصحية، وكاد يفقد حياته لولا تدخل أطباء مستشفى الصفوة، الذين أوضحوا أن الحقنة مخصصة لمن تجاوز عمره 21 عامًا.
وعلى الرغم من محاولتهم تقديم شكوى، واجهت الأسرة تهديدات مباشرة، مكتفين بالقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل". ليست هذه الحالة الوحيدة، فقد وثّق التحقيق عشرات الإصابات الناجمة عن صرف أدوية خاطئة من قبل عاملين غير مؤهلين.
استبيان غير رسمي شمل 10 صيدليات في مركز المحافظة كشف أن 75% منها تفتقر لوجود صيادلة مرخصين، ويعمل بها "عمّال" يفتقرون لأي تأهيل. الشاب (ط،ا،ح) البالغ 25 عامًا قال: "نصرف الدواء حسب طلب الزبون وبما يلائم قدرته المادية، حتى أدوية الأمراض المزمنة والخطرة… الصيدلية غير مسؤولة عن سوء استخدام العلاج".
فيما كشف فتحي، 24 عامًا، أنه يعمل منذ عام ونصف في صيدلية، موضحًا: "نلجأ لتوظيف خريجي إعدادية وثانوية في الفترة المسائية لتجنب التفتيش، ولم يزرنا أي فريق رقابي طوال تلك الفترة".
ويقر ملاك الصيدليات بأن توظيف غير المؤهلين يخفض التكاليف بشكل كبير، حيث يتقاضى العامل غير المختص نحو 50 دولارًا شهريًا، أي ما يعادل سدس راتب صيدلي مرخص، مؤكدين أن زيادة أعداد الصيدليات لم تسهم في خفض الأسعار بسبب ارتفاع الطلب والاعتماد على وصفات الصيادلة بدل الأطباء.
مصادر طبية أكدت أن الظاهرة ليست جديدة، لكنها تفاقمت خلال سنوات الحرب، وأصبحت تهدد حياة الناس نتيجة صرف أدوية خاطئة وجهل العاملين بتفاعلاتها الكيميائية، مما قد يؤدي للوفاة. ورغم علم مكتب الصحة بالمحافظة بهذه المخالفات، إلا أن حملاته تبقى "عبثية واستنزافية" دون تحقيق نتائج فعلية.
صحة المواطن ليست مجالًا للاستزادة أو التبرير، بل تتطلب عملًا رقابيًا جادًا ومسؤولًا.
الفوضى الحالية في صيدليات تعز تهدد حياة السكان يوميًا، وتفرض على الأجهزة المعنية تطبيق القانون بحزم ومحاسبة المخالفين دون تأجيل، لضمان سلامة المجتمع والحد من الكوارث الصحية المحتملة.