في الوقت الذي يواصل فيه الريال اليمني تعافيه التاريخي أمام العملات الأجنبية، لا تزال أسواق العاصمة عدن تُصيب المواطنين بالإحباط، فأسعار السلع الأساسية تتجاهل هذا التحسن وتستمر في ثباتها المحيّر، بل إن بعضها يشهد تدهورًا في الجودة.
هذا التناقض الصارخ دفع ناشطين وحقوقيين لإطلاق دعوات لمقاطعة واسعة للمنتجات التي لم تشهد انخفاضًا في أسعارها، معتبرين أن "المقاطعة الاقتصادية" هي الأداة الوحيدة لكسر جشع التجار.
أرباح التجار على حساب المواطن؟
بعد انخفاض قيمة الريال السعودي من 760 ريالًا يمنيًا إلى 428 ريالًا في فترة وجيزة، كان من المتوقع أن يشعر المواطن بالتحسن في قوته الشرائية، لكن الواقع كان على النقيض تمامًا. فقد بقيت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز، الشاي، والزيوت عند مستوياتها المرتفعة السابقة. هذا ما أثار موجة غضب واسعة النطاق، دفعت مواطنين للتعبير عن شعورهم بأنهم "يدفعون ثمن أرباح التجار وليس تراجع العملة".
و يقول أحد الموظفين الحكوميين في عدن، متسائلًا: "كيف يمكن أن ينخفض الدولار والريال السعودي بنسب كبيرة، بينما يظل سعر الشاي والخبز كما هو؟ نحن لا نشتري بنفس السعر فحسب، بل نشتري منتجات أقل جودة أيضًا. هذا ليس اقتصادًا، هذه سرقة منظمة".
صوت الشعب... "لا تشتري ما لم ينخفض سعره"
في محاولة لفرض رقابة شعبية فعالة، أطلق نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي حملة وطنية تحت شعار "لا تشتري ما لم ينخفض سعره". تهدف هذه الحملة إلى الضغط على التجار من خلال القوة الشرائية للمستهلك، والتي يعتبرها النشطاء أداة أقوى من أي قانون.
يؤكد باسم علي، باحث اقتصادي وأحد مؤسسي الحملة: "السوق هنا لا يخضع لقوانين الاقتصاد، بل لقوانين الربح غير الأخلاقية. المقاطعة الجماعية ليست عقابًا، بل هي حق ديمقراطي ووسيلة لحماية جيب المواطن. إذا لم نتحرك معًا، فلن يتغير شيء."
تبريرات ضعيفة وتوصيات عاجلة
في المقابل، يدافع بعض التجار عن موقفهم بذرائع تتعلق بـ"التكاليف الثانوية" مثل رسوم النقل وأجور العمالة. ولكن خبراء اقتصاديين يرفضون هذه الحجج، مؤكدين أنها "واهية وغير مقنعة"، فمعظم هذه التكاليف تُدفع بالعملة المحلية، ما يعني أنها كان يجب أن تنخفض مع تحسن قيمة الريال.
لمواجهة هذا الجمود، دعا الخبراء الحكومة والبنك المركزي إلى اتخاذ إجراءات فورية: ربط أسعار السلع الأساسية بسعر الصرف الرسمي، تشكيل لجان تفتيش ميدانية، وفرض غرامات على التجار المتلاعبين بالأسعار.
بينما ينتظر المواطن أن ينعكس التحسن المالي على حياته اليومية، يبقى السؤال معلقًا: هل تستجيب الأسواق لصدمة "الريال" وتراجع الأسعار، أم ينجح سلاح المقاطعة الشعبية في فرض العدالة التي عجزت عنها القوانين؟