آخر تحديث :الخميس-20 نوفمبر 2025-12:24ص

اليمن… وطنٌ تاهت عظمته بين قياداتٍ تستعير سلطتها من الخارج وتستعرض جبروتها في الداخل

الخميس - 20 نوفمبر 2025 - الساعة 12:14 ص

د. فيروز الولي
بقلم: د. فيروز الولي
- ارشيف الكاتب


في مشهدٍ يمنيٍ طويل وممل، نجد أن المشكلة لم تكن يوماً في موقع اليمن على الخارطة، ولا في مواردها، ولا حتى في نظرة العالم أو دول الخليج إليها…

بل في أولئك الذين تصدّروا المشهد السياسي وكأنهم وكلاء على مستقبل أمة، بينما هم في الحقيقة أكثر خفوتاً من أن يواجهوا مرآة ذواتهم.


قيادات تتقن الانحناء في الخارج… وتتقن التعالي في الداخل


منذ عقود، اعتاد بعض مشايخ اليمن ونخبها السياسية أن يحملوا ملفاتهم ويتجهوا إلى بوابات العواصم المجاورة للاستفسار عن “المعاش” و“المكافأة السنوية”.

يذهبون بصمت المتسوّل… ويعودون بضجيج الأمير.


وحين يعودون إلى اليمن، يتحول الشارع إلى ساحة بروتوكول ملكي: أطقم مسلحة، حرس متراص، وضجيج يشبه ضجيج مواكب الملكة إليزابيث، مع أن “الجلالة” التي يتظاهرون بها مستعارة، مستوردة، وممولة من الخارج.


كيف للعالم أن يحترم بلداً قُدِّم له عبر واجهات ترتدي البدلة في النهار، وتخبئ الولاء في الليل؟


هكذا صُدِّرت صورة اليمن إلى الخارج:


بلد فقير؟ هكذا قيل.

متخلّف؟ هكذا صُوِّر.

جاهل؟ هكذا أُريد له أن يُفهَم.

ملغوم بالأزمات؟ هكذا رُسمت الدعاية.


والحقيقة أن اليمن لم يكن يوماً على هذه الصورة.

بل تعمّد ممثلوه أن يقدموه للعالم كبلدٍ عاجز ينتظر الشفقة السياسية، بينما هو في الأصل بلد الحضارات الأولى ومسارات التجارة القديمة ونقوش الممالك العريقة.


لو امتلكت اليمن قيادات تليق بتاريخها…


لكان العالم سمع خطاباً مختلفاً تماماً:

"نحن أبناء بلد قادر على أن يصنع دولة تضاهي الغرب في الصناعة، وتسبق الشرق في التسامح، وتؤسس حرية معتقد لا تنفصل عن ثبات الدولة، ما دامت لا تهدد أمنها ولا مكانتها."


لكن ذلك الخطاب لم يأتِ… لأن من تصدّروا للمشهد لم تكن ثقافتهم من ثقافة الوطن، بل من ثقافة الاستراحة السياسية.


اليمن ليست فقيرة… بل أُفقِرَت


اليمن تملك شعباً يبني مدناً في الخارج، ويعمر أوطاناً ليست أوطانه، ويثبت أنه الأكثر صبراً ومهارة وقوة.

لكن هذا الشعب ضُرب في مكان واحد:

القيادة.


قيادات أعادت تدوير الفشل جيلاً بعد جيل، واحتكرت القرار، وصادرت الدولة، ثم ألقت بالذنب على المواطن والظروف والجغرافيا والإقليم… وعلى أي شيء سوى أنفسهم.


العالم لا يرى اليمن… بل يرى ممثليه


يرى مسؤولاً ينسى كرامته على عتبة مطار خارجي، ثم يعود ليتقمّص شخصية حاكمٍ مُهاب في شوارع صنعاء وعدن وتعز والحديدة…

فيرى العالم بلدًا تراكمت عليه الهشاشة حتى صار “قضية إنسانية” أكثر منه دولة ذات سيادة.


الخاتمة: اليمن لا ينقصها القدر… بل ينقصها من يحترم قدرها


لم تكن مشكلة اليمن يوماً في الموارد، ولا في الشعب، ولا في التاريخ…

بل في قياداتٍ أرادت للدولة أن تكون صغيرة كي تظل هي كبيرة.


ومع ذلك، يبقى اليمن ـ رغم الخراب ـ رماداً يتوهج تحته جمر.

جمر شعبٍ لا يزال قادراً على النهوض متى ما توقفت الأيدي المرتجفة عن العبث بمستقبله.


رؤية الخروج… رؤية تليق بأمة لا تنحني


1. تغيير جذري في طبقة القيادة، يستبدل الخضوع بالثقة، والولاء الخارجي بالسيادة، والتوريث السياسي بالكفاءة الوطنية.


2. استعادة القرار الوطني من الخارج، فبلدٌ يُصنَع قراره في غير عاصمته لن يصنع مستقبله بيده.


3. تحويل اليمن إلى دولة مؤسسات، حيث يحكم القانون لا “الموكب”، وتُحترم الدولة لا “الطقم”.


4. اقتصاد المنتج لا اقتصاد المنحة، يحرّر اليمن من عقدة المانحين ويضع ثرواته تحت إدارة حقيقية لا تحت جداول التسريب والنهب.


5. ثورة تعليمية ومعرفية تُعيد الإنسان اليمني إلى مكانته الطبيعية: صانعاً لا تابعاً، مفكراً لا منقاداً، ومواطناً لا مُؤطّراً بين طاعة القبيلة وطاعة السلاح.


6. استعادة الهيبة اليمنية في الخارج، فاليمن تاريخياً بلد يُحترم، وما أن تقف قياداته على قدميها حتى يدرك العالم أنه أمام دولةٍ لا تُشترى بالودائع ولا تُدار بالرسائل.


الخلاصة


اليمن ليست معضلة سياسية… بل ضحية إدارة سياسية.

وليست فقيرة… بل “أُفقرت” بسوء التدبير.

وليست ضعيفة… بل حوصرت بقيادات ضعيفة.


وحين يخرج الصغار من المشهد… لن تحتاج اليمن لنهضة إعجازية،

فهي أصلاً تنهض تلقائياً… تماماً كما تنهض الجبال بعد كل زلزال.


من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك