آخر تحديث :السبت-11 أكتوبر 2025-12:30ص

من الإعجاز الزنداني إلى الازعاج العديني: رحلة الوهم من المختبر إلى المنبر

الجمعة - 10 أكتوبر 2025 - الساعة 08:30 م

محمد عبيد
بقلم: محمد عبيد
- ارشيف الكاتب


في بلدٍ تتناسل فيه الخطابات كما تتناسل القطط في الأزقة، ويصبح المنبر السياسي أكثر ارتفاعًا من منارة المسجد، يطلّ الشيخان عبدالمجيد الزنداني وعبدالله العديني كوجهين لعملةٍ واحدة مطبوعة بختم الجماعة وملوّثة ببصمات السياسة.. الزنداني هو النسخة “الديلوكس” من الإخواني المثالي، يتحدّث عن الذرّة كما لو كان خريج ناسا، ويشرح الحمض النووي وكأنه شارك في اكتشافه شخصيًا، بينما العديني هو النسخة “البلاستيك” من نفس الصنف، يوزّع التكفير كما يوزّع بائع البصل صيحاته في السوق.


الزنداني كان يبيع الوهم تحت شعار العلم، يخلط ماء زمزم بزيت الزيتون ويقول إنهما علاج للسرطان، يقرأ آية فيخرج منها معادلة فيزيائية، يقرأ حديثًا فيكتشف من خلاله الإلكترون والبروتون والنيوترون. كان يؤمن أن القرآن سبق نيوتن وأنه يمكن للروح أن تُشفى إذا جلست أمامه في قاعة محاضرات بجامعة الإيمان.. أما العديني فلا وقت لديه لكل هذا التعقيد العلمي، الرجل عملي أكثر من اللازم، يرى صورة لرجل مع زوجته على الفيسبوك فيعلن النفير، يسمع أغنية في عرس فيفتح معركة، يقرأ منشورًا يبتهج بالحياة فيكفّر المدينة كلها.


الزنداني كان يستدرجك بلباقة المعلّم الكلاسيكي، يبتسم ويشرح كيف أن الغرب تائه في بحور المادية، بينما لدينا في سورة الفلق ما يغني عن مختبرات جنيف.. العديني على النقيض لا يحتاج مختبرًا ولا تفسيرًا، فقط منبرًا وصوتًا جهوريًا.


وفيما كان الزنداني يجوب العواصم يخطب في المؤتمرات ويدّعي لنفسه دور حامل لواء “الإعجاز العلمي”، كان العديني يحفر لنفسه حفرة في مسجد النور بتعز، يخاطب الناس عن فظائع الصور في الهواتف الذكية، وعن الحجاب المائل، وعن ضرورة استبدال المناهج الدراسية بالسيرة الذاتية لشيخه الزنداني وحسن البنا وسيد قطب باعتبارهم أنبياء المرحلة.. الرجل يعلن الحرب على التاريخ والعلوم الطبيعية ويريد أن يزرع في ذهن الأطفال أنّ الجغرافيا مؤامرة غربية وأن الفيزياء فتنة وأن الخلاص في حفظ خطب العديني نفسه.


كلاهما يعمل في مجال الوهم لكن بطريقة مختلفة. الزنداني يصنع الوهم في مختبر فخم بمصطلحات علمية مستوردة، يبيعك النتيجة ملفوفة بورق هدايا فخم.. العديني يبيعك الوهم نفسه لكن بالجملة من دون تغليف من فوق منبر المسجد بصوتٍ يصرخ أكثر مما يُقنع. الأول يغازل العقل قبل أن يخدعه والثاني يجلد الجسد قبل أن يُفكر.


المفارقة أن كليهما لم ينتجا سوى الخوف. الزنداني علّم أجيالاً أن التفكير خطر على الإيمان، والعديني علّمهم أن الأغاني جريمة أخلاقية. الزنداني أوقف العقول باسم الإعجاز، والعديني أوقف الحياة باسم الفضيلة.. كلاهما ينهلان من المنبع ذاته، الخوف من الحرية، وهاجس السيطرة على البشر باسم الله.


في تحركات العديني الأخيرة بات الأمر أكثر وضوحًا. الرجل يتحرك كمن يخطط لإقامة الدولة الإسلامية في ولاية تعز بسلطات تفتيشية، يتحدث عن "تطبيق الشريعة" بينما المدينة نفسها تنزف، يبدو وكأنه يهيئ لتجربة داعشـية مطوّرة، تتخذ من الأخلاق شعارًا ومن الغضب منهجًا. فهو لا يرى في تدريس التاريخ سوى مؤامرة ضد الدين، ولا في العلوم سوى بوابة للانحراف، وكأن الحل في إلغاء التفكير وتحويل كل تلميذ إلى متعبدٍ في محراب الحزب.


الفرق بين الشيخين ليس في الهدف بل في الغلاف. الزنداني قدّم الوهم بلغة مترفة فيها رائحة المختبر والعواصم والميكروفونات اللامعة، بينما العديني يقدمه في عبوةٍ خشنة مملوءة بالصراخ والتهديدات. الأول سوّق الحلم الكبير باسم الأمة، والثاني يسوّق الكابوس الصغير باسم الأخلاق.


النتيجة واحدة.. جيلٌ مشوش، مدينةٌ مرهقة، وطنٌ تائه بين من يبيع الخلاص بالعسل وماء زمزم، ومن يبيعه بالشتائم والتهديد. الزنداني وعدنا بالجنة العلمية، والعديني يهددنا بجهنم الاجتماعية، وكلاهما يسيران في الطريق ذاته نحو السيطرة على العقول لا لتحريرها بل لتقييدها.


الزنداني بائع عطور مغشوشة يقدّم الوهم في قوارير أنيقة، بينما العديني بائع ديزل رديء يصبّ الوهم مباشرة في جالون بلاستيكي. الأول يُخدر، الثاني يُحرق، لكن كليهما في النهاية يستهلك أرواح الناس.. وبين “جامعة الإيمان” و“مسجد النور” ضاعت بلاد بين الوهم والعنف، بين الإعجاز العلمي والإرهاب الأخلاقي، وبين شيخٍ يبتسم وهو يبيع السراب، وآخر يصرخ وهو يهدد بالنار.


محمد عبيد

من صفحته على موقع فيس بوك