♦️إحالة:
"الزيدية على الحقيقة هم الجارودية، ولا يُعلم في الأئمة عليهم السلام بعد زيد بن علي عليه السلام من ليس بجارودي."
الكاهن عبدالله بن حمزة
♦️تمهيد:
سنعتمد في هذا المقال على النصوص الزيدية الداخلية التي أرى أنها أولى من روايات الخصوم، فالمعيار الحاسم لمعرفة الهُوية ليس ما يُقال عن الفرقة، بل ما تقوله هي عن نفسها.
وعند قراءة مصادر الأئمة الزيدية في اليمن يتبيّن أن الجارودية ليست هامشا داخل الزيدية، بل جوهر مقرّر عند كبار أئمتها، وأن الفصل المتأخر بين الزيدية والجارودية صناعة تجميلية خطابية لا تسندها النصوص ولا واقع التاريخ.
♦️موقع الجارودية داخل الزيدية
تاريخيًا، انقسمت الزيدية إلى تيارين بارزين:
الفرقة الجارودية، وهي التي تقول بخرافة النص النبوي على إمامة علي ثم الحسن ثم الحسين، ثم تكون الإمامة في البطنين لمن دعا وخرج واستكمل الشروط، ويترتب على مخالفة ذلك تفسيق وتكفير لمن قدّم غير علي بن أبي طالب، بما فيهم الخلفاء الثلاثة وسائر الصحابة.
أما الفرقة الثانية، فهي البترية/السليمانية، وتميل إلى التسويغ التاريخي لإمامة الشيخين مع الإقرار بأولوية علي.
المصادر الزيدية تؤكد أن الغالب الأغلب من الزيدية جاروديّ لا بَتريّ، كما يقرر الكهان عبدالله بن حمزة في الرسالة الناصحة بقوله: "معظم الزيدية جارودية، وأنهم أهل الحق، بينما أخطأ غيرهم في بعض الاعتقاد."
ومن النصوص التي تشهد على أن الجارودية هي الزيدية على الحقيقة، ما ورد في الأحكام لمؤسس الزيدية في اليمن، يحيى بن الحسين الرسي، حيث يقول:
"فمن أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام رسول الله، فهو عند جميع المسلمين كافرا" (الأحكام 1/36–38).
كما يقول أحمد بن سليمان بن شاور في حقائق المعرفة بالنص على علي والحسن والحسين، ويحكم على من قدّم غير علي بأنه: "ظالم، كافر نعمة، فاسق."
ويحسم المسألة عبدالله بن حمزة بقوله، كما نقل عنه حميدان بن يحيى القاسمي في مجموعه ص52: "الزيدية على الحقيقة هم الجارودية، ولا يُعلم في الأئمة بعد زيد بن علي من ليس بجارودي."
وهذه الأقوال بعض من عشرات الأقوال في كتب الزيدية وعلى السنة ائمتها ومبثوثة في كتبهم، ناهيك عن العلماء والفقهاء اليمنيون الذين اكدوا هذه الحقيقة، وعلى سبيل الذكر يؤكد نشوان بن سعيد الحميري في الحور العين المعنى ذاته بقوله: "وفي اليمن فرقتان من الشيعة: الجارودية من الزيدية، والمباركية من الإسماعيلية، وأول من دعا باليمن إلى مذهب الزيدية هو يحيى بن الحسين الهادي إلى الحق."
والنتيجة الواضحة من داخل البيت الزيدي وخارجه أن الجارودية ليست فرعا ثانويا، بل التعبير الأوضح عن عقيدة الإمامة الزيدية عبر القرون.
♦️أين يلتصق الجارودي بالزيدي؟
أولا: الأساس العقدي المشترك للزيدية هو ذاته للجارودية، حيث تقرّر الجارودية وجود نص نبوي بالتنصيص على إمامة علي والحسن والحسين، ثم انتقال الإمامة إلى البطنين، وهو ذات الاعتقاد الزيدي، ولم يفعل الرسي سوى إضافة مبدأ الدعوة والخروج كإطار عملي لانتقال السلطة.
وما حدث من خلاف لاحق حول “النص الخفي أو الجلي” في الوصية لعلي لا يغيّر حقيقة التأسيس على خرافة التأويل لنص نبوي واصطفاء عائلي في أسرة معينة على خلاف أصول الدين.
ثانيا: كما يتفقان كليا في الموقف من الخلفاء الثلاثة والصحابة جميعا، فتجعل الجارودية مخالفة “نص الوصية” المزعوم موجبة للتكفير، ولم يخالفهم في ذلك أئمة الزيدية، إلا أن بعضهم لجأ إلى التخفيف أو التوقف بدافع التقية أو الضعف السياسي.
فإذا ما امتلكوا القوة أعلنوا عقيدتهم صراحة، كما نرى اليوم في خطاب الحوثيين الذين أعادوا إنتاج هذا الموقف العدائي من الصحابة وأمهات المؤمنين والخلفاء، في تكرار واضح للخطاب الزيدي القديم.
ثالثا: كما أن تخصيص المرجعية العلمية والأخلاقية بـ"العترة"، واعتبار الإمام صاحب إلهام عند النوازل، وأن ولايته شرط لقبول الصلاة والصيام، كلها مفاهيم جارودية تمثل ركائز زيدية أساسية جعلت من الولاية عمود الدين، ومن اتباع الإمام شرطًا للإسلام والإيمان.
♦️التكفير عقيدة زيدية هادوية
التكفير جزء أصيل من الجارودية، لا يقتصر على الخلفاء الثلاثة، بل يمتد ليشمل الأمة المسلمة كلها بدعوى "التجسيم" أو "الإرجاء"، وهو دين الزيدية وديدنها.
تُظهر نصوص الكاهن عبدالله بن حمزة (ت 614هـ)، أحد كبار أئمة الزيدية في اليمن، مدى هذا التشدد الفكري. ففي المجموع المنصوري (ج2، قسم 1، ص72) يقول: "ولا كفر أكبر من كفر هذه الفرق المخالفة لنا في مذاهبنا المتعلقة بأصول الدين."
ويضيف في موضع آخر (ص84): "وأما حكايتنا عن القاسم والهادي والناصر عليهم السلام بأن دار المجبرة والمشبهة دار حرب فهي من أجلى الحكايات وأوضح الروايات."
ثم يقرر بوضوح: "لم يختلف أحد من أئمتنا من الزيدية والمعتزلة أن المجبرة كفار ودارهم دار حرب قطعًا." (المجموع المنصوري، ج2، قسم 1، ص72).
هذه النصوص تكشف أن الفكر الزيدي جارودي، ولا يقتصر على التنظير للإمامة في البطنين، بل يمتد إلى تصور تكفيري حاد تجاه الخصوم المذهبيين، معتبرًا أتباع المذاهب الأخرى "أهل حرب".
♦️خدعة التقارب المذهبي… الفروع لا تُلغي الجذر العقدي
إن الاستدلال بالفروع الفقهية في محاولة التقريب بين الزيدية ومذاهب السنة، وتجميل صورتها وتحسين وجهها، محاولة سطحية إن أحسنا الظن بأصحابها، فما يمثل هوية أي مذهب هو أسسه العقدية وبنيته الفكرية، لا فروعه الفقهية أو أحكام الطهور والحيض والنفاس.
ولذلك لا يمكن الحديث عن تقارب زيدي–سني في ظل البناء الفكري والعقدي للزيدية الجارودية، القائم على تحريف النص، ومركزية الولاية، ونظرية البطنين، وما نتج عنها من تكفير المجموع السني، وتحويل اليمن إلى "أرض خراج وعُشر" و"دار حرب".
♦️خاتمة حاسمة
تشهد نصوص أئمة الزيدية ومصادرها الداخلية بأن الجارودية قلب الزيدية لا هامشها، وأن محاولات التفريق بين الزيدية والجارودية لا تصمد أمام المراجع الداخلية للنص الزيدي، ناهيك عن شهادات العلماء والفقهاء اليمنيين على مر العصور.
وعليه، فمن أراد فهم الزيدية التاريخية فعليه أن يقرأها جارودية في أصول الإمامة، ومركزية العترة، وموقع الصحابة، وما عدا ذلك فمحاولات خطابية لتجميل الفكرة لا أكثر.
فالجارودية ليست نزعة داخل الزيدية، بل الاسم الحقيقي لأصل الزيدية كما قررها أئمتها ودوّنوها عن أنفسهم لا كما وصفها خصومهم.