آخر تحديث :السبت-11 أكتوبر 2025-12:13ص

ما بين "طاء الطباطبائي" و "قاف الرّسّي" يتضح العقد الاجتماعي!

الجمعة - 10 أكتوبر 2025 - الساعة 10:15 م

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


اتفقت معظم السرديات التاريخية بأن أرض سبأ وحِميّر -وخصوصًا بالطود أي شمال الشمال بالجغرافيا الحالية- أصبحت مرتعًا لبقايا أصحاب "الرايات السود"، ووكرًا لدخلاء أهل "القباب الملونة"، وتجمعًا لقرناء شظايا "الأضرحة الخضراء"، وجُحْرًا للكهنة والدجالين والمشردين والمطاردين سواءً من الباذانيين سابقًا أو من الرّسّيين الطباطبائيين والطبريين والشعوبيين بعد ذلك؛ ولكن رواية سيرة قدوم " الرّسّي الطباطبائي" إلى أرض اليمن كان جُلُّ سردياتها محبوكة عبر مؤلفات مكتبة الكهنوتية السلالية الناتجة من بنات أفكارهم المزورة، والمخطوطة بأيديهم الماكرة، والمنصوصة باستشهادات مُلفقة، والمطبوعة بحبر محابرهم المُضللة!.


ومؤخرًا، خرج أحد المتخصصين بـاللغويات واللسانيات للحديث عن نفس سردية آبائهم وأجدادهم الكهنة الرّسّيين الطباطبائيين مع إضافة لمسات حداثية عصرية، بالقول أن "يحيى الرّسّي -مع حذف لقب طباطبا- جاء إلى اليمن مرتين  بدعوة من القبائل اليمنية، وأن القبائل اليمنية تعاقدوا معه عقدًا اجتماعيًا"؛ ولكن قبل القفز إلى "ولاية التسليم التضليلية، لا العقد الاجتماعي"، لابد من التعريج قليلًا عن ماهية "الرّسّي الطباطبائي"، وفحص بعض سردياتهم من منظور لُغَوي ومن مناظير متعددة أخرى!.


تبدأ السردية الأولى للكهنوتية السلالية في معظم مؤلفاتهم بذكر أن أصول "يحيى حسين قاسم الرّسّي بن إبراهيم" ترجع إلى إحدى القبائل الحجازية، وتخفي كليًا لقب "طباطبا"، وعندما تخرج بعض المؤلفات المغايرة التي تشير إلى أن اسمه "يحيى حسين بن القاسم بن إبراهيم طباطبا"، وتبّين بأن طباطبا من بلاد فارس وأن هنالك المدرسة الفكرية الطباطبائية والمحيط الطباطبائي الذي برز في عصر الصفويين، وأن هنالك كذلك "الرّسّي" الملقب بـ"طوزون" نسبة إلى بني طوزون أو بني توزين؛ تستدرك الكهنوتية السلالية ذلك وتقوم بتأليف مؤلفات جديدة تقّر فيه بوجود لقب "طباطبا" مع محاولة التبرير لسبب ذلك!.


ولقد كتب بعض مؤلفي دخلاء كهنة السلالية بأن لقب "طباطبا" جاء بسبب ردّة في اللسان، حيث كان أحد أجدادهم ينطق حرف القاف ويستبدله بحرف الطاء، وبدلاً من نطق "قَبَاقَبَا" كان ينطقه "طباطبا"!. ومن منظور لُغَوي، كل عرب أبناء شبه الجزيرة العربية لا يجدوا صعوبة في نطق حرف القاف ويُستحال أن يحولوا نطقه إلى حرف الطاء، وأن كان هناك تباينات في نطق حرف القاف نظرًا لاختلاف اللهجات، فإن حرف القاف تتعدّد صور نطقه في اللّهجات العربية إلى (الهمزة، غ، ك، ج، والجيم المقلقلة)!. أي بمعنى آخر، من تتعثر لسانه في نطق حرف القاف وتُبدله إلى حرف الطاء، هم ممن لغتهم الأم ليست العربية، وهم ممن لا يوجد حرف القاف في قائمة حروفهم الهجائية، وذلك يقود لتحديد بلد المنشأ، ويمكن كذلك البحث عن معنى مفردة "طباطبا" في المعجم الفارسي!.


وبالتالي، أصبح نسب "الرّسّي" مرتبطًا بمسمى جبل الرّس الغير موجود في المعجم الجغرافي للبلاد العربية، ونسب "طباطبا" منسوبًا لردّة في لسان أحد أجدادهم، وضاع علم الأنساب ما بين مسميات الجبال ومخارج نطق الحروف!. وبعد كل ما ورد أعلاه، لو افترضنا جدلاً بأنهم كانوا من الحجاز، فلا يحق لهم طلب زعامة أرض غيرهم ولا نهب ثرواتها تحت مسمى الولاية والتسليم، ويتوجب على أصحاب الأرض والحق من أحفاد سبأ وحِميّر من وضع أقدامهم على أعناق الكهنة والدجلة والغزاة والمُحتلين!.


أما السردية الثانية للرّسّيين الطباطبائين المرتبطة بـ المنظور الجغرافي، فأنها تنص بأن "يحيى الرّسّي الطباطبائي" ولد في جبل الرّس في المدينة المنورة وأن أصوله حجازية!. والجدير ذكره، أنه قبل ما يزيد عن عقد ونصف وبعد الحروب الستة المتتالية التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء اليمن، كتب أحد أبناء الموروث الزيدي مقالة مطولة في احد الصحف الرسمية تؤصل بأن "يحي حسين الرّسّي بن إبراهيم طباطبا" قدم إلى اليمن من مدينة الرّس في القصيم، وكان الكاتب يشغل حينها منصب مدير دائرة "التوجيه التأصيلي، لا التوجيه المعنوي"؛ ولكن جاء الرد على تلك الادعاءات في جريدة رسمية (جريدة الرياض، بتاريخ ٨ يناير ٢٠١٠م - العدد ١٥١٧٣) تنفي كليًا بأن يكون الدخلاء الرّسّيين الطباطبائين من نجد أو الحجاز، وتشير بوضوح وفقًا للمعجم الجغرافي للبلاد العربية إلى أنه لا يوجد قرب المدينة المنورة أوفي أي مكان بالجزيرة العربية ما يسمى بـ "جبل الرّس"، وان منطقة الرّس تاريخيًا في "نجد" كانت عبارة عن مورد ماء لبني منقذ من بني أسد ثم لآل صقيه من تميم تتوافد عليها القبائل ثم ترحل ولم تقطنها أي أسرة أو قبيلة من الحجاز (علمًا أنه في الممالك القديمة كانت منطقة الرّس تحت مملكة كندة وملوك قبيلة كندة)، ويستشهد كذلك بما ورد في الجزء الأول من القسم الرابع من تاريخ ابن خلدون في الصفحة ٤٥٥ ان القاسم جدّ يحيى بن الحسين الرّسّي عاش في السند ويرجح أن مولد يحيى الرّسّي كان هناك وقد يكون لقب الرّسّي لحق به نتيجة الانتقال إلى حدود أذربيجان حيث إن هنالك منطقة على الحدود تدعى بـ الرّس!.


والسؤال المؤرق والمُؤلم هنا، إذا كانت دول الجوار فندت ادعاءاتهم الزائفة ولم تقبل حتى زيف انتمائهم الجغرافي فقط دون أي مطالبة بسلطة أو ثروة، فكيف تقبلوا بعض العكفة من أبناء القبائل اليمنية ومكّنوا دخلاء الكهنوتية السلالية من السلطة والثروة لكي يرتكبوا أشد الجرائم وأبشع الجنايات لقرون طويلة بحق أبناء اليمن؟!. والجواب ببساطة على السؤال السابق، أن كل ذلك ناتجًا من الموروث الزيدي البغيض، ومنبثق من تواجد حواضن وأوكار وجُحور وفقاسات لبقايا الدخلاء الغرباء، والحل الجذري الشامل الدائم لن يتأتى إلا بإزالة المسببات الجذرية كليًا!


أما السردية الثالثة للرّسّيين الطباطبائين المرتبطة باستدعاء القبائل اليمنية لجدّهم يحيى الرّسّي، فإن رواياتهم المُلفقة المتناقضة والمثيرة للاشمئزاز، والوارد معظمها في كتب عدّة ومنها كتاب "سيرة الكاهن لا الهادي"، تبدأ بتبشير الرسول الكريم بقدوم يحيى الرّسّي الطباطبائي لإعادة إحياء الدين، ثم مولده ووصفه بصاحب اليمن، ثم تأتي ديباجة الحلم الذي يأمره النبي بالذهاب إلى اليمن، ثم بعد وصوله إلى اليمن أصبحت مفاتيح الجنة بيده وضلل الجهلة من أبناء القبائل بإدخالهم الجنة إن أطاعوه، ثم يأتي التشبيه بغزوة بدر والتهديد بغزو اليمن ودوسها والاستعانة بطبرستان، ثم تأتي رواية أن أبو العتاهية الهمداني راسل يحيى الرّسّي سرًا ودعاه إلى بلاده، ويلي ذلك الحروب المتعددة ضده والرافضة لتواجده وصولاً لأسر أبنه، ثم تأتي سردية الخروج والعودة مجددًا، وتنتهي السردية بمقتله مسمومًا وقتل أبنائه وأحفاده متأثرين بجراحهم الناتجة من مناهضة أبناء اليمن لهم!.


وللتفصيل أكثر بالفقرة أعلاه، فأن رواياتهم المتعارضة تبدأ بتبشير النبي (يخرج رجل من ولدي بهذا الفج وأشار إلى اليمن إسمه بإسم نبي يحيى به الله الدين)، ثم تنتقل السردية إلى الولادة وأن أبوه الحسين حمله بين يديه وقدمه إلى والده "القاسم بن إبراهيم طباطبا" ليدعو له فنظر جدّه إليه وتوسم فيه قائلاً (هذا يحيى صاحب اليمن)!. بعد ذلك وقبل قدوم الرّسّي إلى اليمن، وردت سردية سبب مغادرته لموطنه وذهابه إلى اليمن بأنه ينفذ وصية الرسول المتمثلة بـ (رأيت رسول الله في المنام، وهو يقول لي: يا يحيى، مالك متثاقلا عن الخروج، انهض فمُرهم فلينقلوا ما على هذه الأرض من الأوساخ،…، فنهضت وخرجت إلى اليمن)، وبعد وصوله إلى اليمن أصبحت مفاتيح الجنة بيديه وخاطب بعض العكفة واعدًا لهم بـ (أطيعوني فإنكم والله إن أطعتموني أدخلتكم الجنة)!. بعد ذلك، يهدد الرّسّي الطباطبائي بغزو اليمن ودوسها عند قوله لجلسائه (والله لو كان معي ثلاثمائة وثلاثة عشر مؤمنا، لا بل لو كان معي خمسمائة، لأن تلك كانت فضيلة لرسول الله -في غزوة بدر-، لدُستُ بها اليمن)، ثم يشير أبنه أحمد يحيى الرّسّي قائلًا عن والده (جاء إلى اليمن فقبله البعض ورفضه غالب اليمنيين ثم جاء ثلة من طبرستان فنصروه)!. ثم تأتي سردية أن أبو العتاهية الهمداني راسل يحيى الرّسّي سرًا ودعاه إلى بلاده  فقصدها وقدم إلى اليمن، وتختلف الروايات عن أصول ونسب أبو العتاهية الهمداني (قيل أنه من قبائل همدان، وقيل أنه رجل من آل طريف، وقيل أنه من عبيد آل يعفر وقادة جيوشها)؛ ولكن الوقائع التاريخية أشارت بأنها تعالت الأصوات عند وصوله إلى صنعاء مرددة (انصرونا على هذا الغريب نخرجه من وطننا وبلدنا)، وبأن آل طريف هاجموا "يحيى الرّسّي الطباطبائي" في أرحب وأسروا ابنه ومعه العديد من رجاله وهرب يحيى الرّسّي إلى منطقة "ريدة" ثم إلى "صعدة"!. وتقاس الأمور بخواتيمها، حيث تنتهي السرديات بمقتل "يحيى الرّسّي الطباطبائي" مسمومًا، وقتل أبنائه وأحفاده متأثرين بجراحهم، التي تدلل على مناهضة ورفض أبناء اليمن لهم!.


وعند تدقيق السرديات وفحص الوقائع ومراجعة الأحداث، تجد أن "يحيى الرّسّي الطباطبائي" اعتماد في البداية على جموع الدجلة والكهنة وبقايا الدخلاء والعكفة المُهجنين المتواجدين سابقًا في أوكار شمال الشمال، واستند إلى جيش كان يُطلق عليهم بـ "المهاجرين" وهم بقايا الدخلاء والشظايا والغرباء من الباذانيين والرّسّيين الطباطبائين والشعوبين، ومِمَّن استقدمهم من الطبريين؛ وكل ذلك لاحتلال اليمن والقضاء على كافة الأصوات المناهضة له من أبناء القبائل اليمنية!.


ختامًا، ردّة اللسان في أجداد الكهنوتية السلالية جعلت من معظم أحفادهم يهتموا كثيرًا بعلوم اللغة وآدابها، وحبسة لسان أجداد كهنة الآل التي غيرت نطق حرف القاف إلى طاء أثرت عميقًا على بعض العكفة من أبناء القبائل اليمنية وبدلت كلمة "القبائل" إلى "الطبائل اليمنية"، أما نص "العقد الاجتماعي" الذي أشار إليها المتخصص اللغوي فقد تغيرت بعد استخدام لسان طباطبا إلى "العطد الاجتماعي"؛ علمًا أن كلمة "العَطْدُ"  تعني الشديد الشاقُّ من كل شيء!. علاوة على ذلك، فقهيًا عند بعض علماء القراءات، من لا يجيد نطق مخارج الحروف فأنه لا يُقدم حتى في إمامة الصلاة، أما شعبيًا فلا تنفع "البرعة" وراءه؛ علمًا أن وصفة علاج فك ردّة مخارج الحروف في ألسنة دخلاء الكهنة من المنظور التاريخي السبئي الحِميّري تتمثل بالوضع في المياه الكبريتية المتواجدة في أخدود حرضة دمت!.