انعكست في تعز كلّ المفاهيم والمعاني، وصار القتلة والمجرمون محميين من قياداتٍ عسكريةٍ يُفترض بها حمايةُ تعز وإنصافُ المظلومين، وليس العكس. ماذا حدث للدنيا ولتعز التي كانت أول من نادت بالدولة المدنية وأول من أضاعها؟ صارت الهمجية عنوانها، وصار القتلة يُحمون بقرارات، والمجرمون يُكرَّمون بأوامر، بينما يُهدَّد ويُعتدى على كل من يطالب بالحق والقصاص.
جرائم كثيرة حدثت في تعز بسبب الانفلات الأمني والانفلات الاخلاقي والقيمي لمفصعي تعز، ويقين المجرمين أن وراءهم ظهوووور وحمرانُ عيونٍ من قيادات الإصلاح سيغطون على جرائمهم البشعة.
والمضحك المبكي أن قيادات المحور، وبدلًا من الكشف عن المجرمين، تهدد كل صوتٍ يطالب بضرورة القبض على القتلة والمجرمين الذين أراقوا الدم في شوارع المدينة، فيجد نفسه في مرمى تهديد أو حملة تشويه أو حتى اعتداءٍ جسدي. وكأن العدالة أصبحت جريمة، والمطالبة بها فعل تمرد يجب سحقه.
أيُّ انقلابٍ أخلاقيٍ هذا الذي جعَلَ من بعض القيادات العسكرية درعًا للقتلة؟ كيف تحوّل السلاح الذي أُعطيَ لحماية المدينة إلى مظلّةٍ تحمي المجرمين؟
كيف انقلبت المفاهيم حتى صار المظلوم مطاردًا، والقاتل في موكبٍ تحرسه الرتب والنياشين؟
لقد اختطفوا تعز من داخلها، من بين شعاراتها وأحلامها، من داخل مؤسساتها الأمنية التي كان يُفترض أن تكون حارسةً للعدالة لا شريكةً في وأدها. أصبح الصوت الحرّ يخيفهم، والكلمة تُرعبهم، لأنهم يدركون أن مدينةً تعرف الحقيقة لا يمكن إخضاعها إلى الأبد.
فيا قيادات الإصلاح في تعز، إلى أين تريدون أن تصلوا بالمدينة؟
أهكذا تُبنى الدولة التي بشّرتم بها؟
أبهذه الطريقة تُصان دماء الشهداء التي سُفكت من أجل دولة العدالة والقانون؟
إن حماية القتلة جريمة لا تقل عن القتل نفسه. ومن يبررها أو يتستر عليها إنما يشارك في ذبحِ تعز من الوريد إلى الوريد.
اليوم، تعز لا تحتاج إلى خطاباتٍ جديدة، بل إلى تطهيرٍ حقيقيٍ من الفساد، وإرادةٍ سياسيةٍ تُعيد هيبةَ العدالة إلى الميدان.
تعز مطالبةٌ باستعادة هيبتها، وفرض سلطة القانون على الجميع، قبل أن تضيع البوصلة نهائيًا، وتتحول المدينة إلى ساحةٍ يحكمها الخوف والولاء الأعمى.
فإما أن تكون تعز مدينةَ القانون كما يفترض بها، أو تُترك لتتحول إلى غابةٍ يحكمها السلاح وتُكمم فيها الأفواه.
عدالة تعز قادمة لا محالة، وكل من استبدل دماء الأبرياء بصفقات الولاء سيلاحقه الخزي والعار.