يا أهلنا واشقاءنا في العروبة...
دعوني أتكلم ، فوالله إن الألم بلغ الحلقوم، والمرارة أكبر من أن تُسكت.
أنا رجل يمني، أقترب من عامي الخمسين، ومنذ وعيت على هذه الدنيا وأنا أحمل فلسطين في قلبي وعقلي ووجداني. لم تكن مجرد نشرة أخبار، ولا لافتة في مناسبة، بل كانت قضيتنا، قضيتي، قضية كل يمني حر.
منذ كنا صغارًا، نخرج في المسيرات، نرفع راياتها، نهتف باسمها، نبكي لمجازرها، نتبرع من مصروفنا المدرسي لها، نحفظ أسماء مدنها، نغضب لأجل قدسها...
الدولة اليمنية، قبل ظهور هذه الميليشيا الإيرانية الإرهابية، عاملت الفلسطيني كما تعامل اليمني.
فتحت لهم الكليات العسكرية والمدنية، منحتهم معسكرات خاصة، أنشأت لهم شوارع ومجمعات سكنية، احتضنتهم بكل أطيافهم، رعت مؤسساتهم، وجمعياتهم الخيرية وجمعت التبرعات لهم في كل جامع ومدرسة وبقالة بل ان صناديق التبرعات كانت في كل بقالة ومسجد وصيدلية في اليمن .
كنّا – نحن الموظفون– نجمع التبرعات من مرتباتنا، وكنّا – نحن المواطنون – نقتطع من لقمة أولادنا من أجل فلسطين.
كنا نؤمن بأن معركتنا واحدة، وأن القدس أمانة في رقابنا، وما زلنا نؤمن... لكن دون أن نقتل اليمنيين باسمها!
واليوم، يخرج علينا صبيٌّ في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من عمره، لا يدري شيئًا عن التاريخ، لم يشهد شيئًا من تلك المواقف، لم يعرف فلسطين إلا من فُتات شاشاتهم، يتهمنا بأننا “صهاينة”...!
نُقتل لأننا نرفض القتال تحت راية الكذب والخداع.
نُهجّر لأننا لم نهتف باسم “السيد”.
نُسفك لأننا نقول: "هذه ليست فلسطين التي نعرفها!"
أليس هذا هو الجنون بعينه؟
هؤلاء الذين يتهموننا بالصهينة، هم آخر من يحق لهم الحديث عن فلسطين.
كان شعارهم: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل"
واليوم، الموت فقط لليمنيين!
أين إسرائيل في معاركهم؟ أين أمريكا؟
كل معاركهم تدور في القرى اليمنية، في المساجد، في المدارس، في منازل الشرفاء.
شعار "تحرير القدس" عندهم يُرفع فقط حين يريدون اقتحام بيت، أو اغتيال شيخ، أو نهب ممتلكات، أو تعبئة قطيعهم للذبح!
من قتل الشيخ القرآني صالح حنتوس؟
هل كان صهيونيًا؟
هل وقف ضد فلسطين؟
أم وقف ضد ظلمهم؟
أنا اليوم أربي أبنائي على حب فلسطين، كما فعل أبي، لكن أبنائي لا ينطقون اسم "إسرائيل"، بل يقولون عنها "ورق حمّام".
هل هؤلاء هم الصهاينة يا تُرى؟
أم أن من يقبض السلاح ليقتل يمنيًا باسم فلسطين، هو الصهيوني الحقيقي؟
الحوثي ليس دولة، ولن يكون.
هو ميليشيا، تتلطّى بالشعارات، وتبيع القضايا كما تبيع البنادق والقات والأسلحة والمواقف.
يتخذ من القدس دعاية، ومن غزة رخصة للبطش، ومن "المقاومة" مجرد عباءة يخبئ تحتها مشروعه الطائفي السلالي القذر.
لقد خدعونا طويلاً، بشعارات براقة، لكنهم لم يقدّموا لفلسطين إلا الدم اليمني، ولم يفتحوا جبهة إلا داخل اليمن.
وحين ضاقت عليهم الأرض، اتهمونا نحن – أهلها وأصحابها وناسها – بأننا "صهاينة"...!
يا للسخرية!
نحن لم نخن فلسطين يومًا،
لكنكم خنتم اليمن وفلسطين معًا،
وخنتم الدين، وخنتم الله، وخنتم الأرض والعرض والشرف.
يا من ترفعون راية القدس لتُقتلوا بها أبناء القرآن…
أنتم عار على فلسطين… وفضيحة في دفتر التاريخ.