كتب، عبدالستار بجاش
دخلت الطفلة وئام مستشفى الروضة في 9 أكتوبر تحمل بين يديها ألما بسيطا في الحلق وابتسامة لا تعرف الخوف.
كانت خطواتها الصغيرة على أرض المستشفى هادئة وواثقة، لكنها لم تكن تدري أنها كانت آخر الخطوات التي ستترك أثرها في الدنيا..
كان التشخيص في بدايته روتينيا وبسيطا، وقد صرف الطبيب وصفة طبية ضعيفة رغم نصيحة صيدلاني المستشفى باستخدام جرعة أخرى أكثر فاعلية إلا أن الطبيب أصر قائلا لأم وئام: "أنا الطبيب والا هو؟"
وبعد فوات الأوان، قمنا باستشارة عدد من الأطباء المختصين وعرضنا عليهم الوصفة الطبية التي صُرفت لوئام في بداية مرضها، فأجمعوا على أن الجرعة كانت غير كافية وغير مناسبة لحالتها، وأنه لو تم صرف العلاج الصحيح منذ البداية، لما وصلت حالتها إلى هذه المرحلة الخطيرة..
بعد زيارة الام في ٩ اكتوبر أجرت زيارة أخرى إلى المستشفى يوم الاربعاء ١٥ اكتوبر بعد تعرض الطفلة للطرش وعرضت على الطبيب فحص فحص مزرعة البراز الذي قرر اجرائه في زيارتها الاخيرة وكانت نتيجة الفحص "ديدان"، حيث اكد الطبيب ان التطورات نتيجة الديدان
في 16 أكتوبر، لاحظت الأم تغير لون بول طفلتها، فهرعت بها إلى المستشفى نفسه مرة أخرى.
جاءت النتائج هذه المرة صادمة: بروتين 2 ودم 2 في البول - مؤشرات على التهاب بكتيري في الكلى وهنا بدأت الفاجعة الحقيقية.
بعد ذلك نصح الطبيب في مستشفى الروضة نقل وئام إلى الجمهوري فتم عرضها على طبيب هناك وطلب فحص مزرعة بول ونصح بعودتها السبت .
لقد تحولت تلك الوصفة دون قصد إلى تأشيرة مرور لبكتيريا غادرة تسللت إلى جسدها الصغير دون مقاومة.
ولكي يطمئن قلبي حول ما جرى في بداية رحلة العلاج قمت في 21 أكتوبر بإبلاغ مدير مستشفى الروضة وطلبت منه مراجعة السجلات الطبية والفحوصات والعلاجات التي صُرفت لطفلتي، لمعرفة ما إذا كانت سببا فيما حدث.
وقد أوكلت إليه المهمة رسميا وتابعت معه شخصيا لكن وحتى اليوم ٣١ اكتوبر لم أتلقَ أي رد أو توضيح.
ومع ذلك، فإنني أشكره جزيل الشكر على تقديمه واجب العزاء في وفاة طفلتي، رغم صمته المؤلم تجاه ما حدث.
وللتأكيد فإن ذكر هذه التفاصيل ليس بغرض التشهير أو الاتهام للمستشفى، وإنما للمطالبة بالتحقيق الموضوعي والمنصف في ما جرى، حتى يُعرف الحق وتُصان أرواح الأطفال من تكرار مثل هذه المآسي
وبالعودة الى تطور الوضع الصحي للطفلة
في يوم السبت ١٨ اكتوبر ثم نقل الطفلة الى مستشفى الصفوة، حيث استقبلها الدكتور مرتضى الهويش، الذي قرر إدخالها إلى العناية المركزة وبدء جلسات غسيل للكلى يوم الاثنين ١٩ اكتوبر بعد يومين من دخولها المشفى.
بذل الدكتور الهويش وفريق العناية جهودا مشكورة عليها لتفانيهم واهتمامهم الكبيى، لكن حالة الطفلة كانت تتدهور بسرعة، وكأن الزمن يركض عكس اتجاه الحياة..
المؤلم في القصة أن الإنسانية غابت عن بعض الأطباء في المدينة، وحل محلها التنافس التجاري البارد بين المستشفيات، لتدفع وئام ثمن هذا الصراع غير الشريف بحياتها..
خاصة عندما تقرر إجراء جلسة الغسيل، نُقلت إلى مركز القلب لتركيب القسطرة،يوم الاثنين ١٩ اكتوبر وهناك حاول مرافقين وئام استدعاء طبيب الكلى والمسالك الدكتور السماوي لمعاينتها، ولم يتجاوب معهم رغم وجود الطفلة في المبنى ذاته.
خلال الاسبوع الاخير قبل وفاتها وخلال عودتي من السفر حاولنا مع ذات الطبيب وتجاهل محاولات عدة قمنا بها للنزول والاطلاع على حالتها، رغم استعدادنا لتحمل تكاليف الاستدعاء بالكامل .
غير ان العاملين في مكتبه ابلغونا بالقول: إن تدهور حالتها بسبب العلاج ولم يوضح الطبيب الانساني تفاصيل اخرى وكأن التشخيص كلمة تنهي وجعا لا حياة..
في يوم الجمعة، 24 أكتوبر، وبعد أن بدت بوادر التحسن وخرجت وئام من العناية إلى قسم الرقود في تاريخ ٢٣ اكتوبر ، باغتتها وذمتان دماغيتان جلطات مزدوجة.
أُعيدت سريعا إلى العناية المركزة، وتم التواصل مع أطباء المخ والأعصاب والدكتور المعالج، فصرفت العلاجات اللازمة، لكن المؤشرات الحيوية كانت تنحدر، ومعها الأمل.
عاد البروتين في البول للارتفاع وتفاقمت الجلطات.
وفي خضم هذا الألم، اخص بالذكر الدكتور ربيع العزاني بالشكر والتقدير لاستجابته الفورية خلال دقائق فقط من تواصل الاخ القدير عبدالعزيز الذبحاني ، إذ تابع التقرير بنفسه وصرف العلاج المطلوب، في حين أن طبيبا آخر مختص بالمخ والاعصاب حاولت للوصول اليه و لم يتجاوب إطلاقا حتى لحظة وفاتها..
عقب ذلك قرر الطبيب المعالج الهويش اجراء جلسة غسيل للسيطرة على الكروتين ، في يوم الاحد ٢٦ اكتوبر ، نقلنا وئام لمركز الكلى في الثورة وهناك وبعد نص ساعة توقفت عملية الغسيل لعدم توفر المحاليل ومن ثم عودة الجلسة، وهنا اخص بالشكر الاخ يوسف الزكري لجهوده وتعاونه معنا .
يوم الاثنين ٢٧ اكتوبر، شاهدنا والاطباء تحسن كبير للطفلة بدءا من حركة الجانب الايمن وعوده نطقها ، مع تحسن الكيراتين وغيره ، الا ان انتكاسه جديدة تعرضت لها الطفلة مساء الاثنين في التنفس اضافة للكراتين ، وتم ابلاغنا من الأطباء باحتمال دخولها مرحلة التنفس الصناعي وهو ماحدث مساء الاثنين.
فجر الثلاثاء ٢٨ اكتوبر وبما انه كانت تنتظرها جلسة غسيل طارئة تم نقلها لمركز الكلى في الثورة إلا أنها فارقت الحياة التاسعة صباحا وخلال جلسة الغسيل .
رحلة قصيرة، امتدت لأسبوعين فقط بين التهابات اللوزتين وغسيل الكلى والجلطات والتنفس الصناعي، لكنها كانت كافية لكشف حجم الألم، وضعف الضمير، وهشاشة الإنسانية حين تغيب الرحمة عن المهنة لدى الأطباء .
مأساة وئام ليست قضية طب فاشل فقط، بل قضية ضمير غائب ونظام صحي منهك، يعيش بين ضعف الإدارة وغياب الرقابة وتهميش القيمة الإنسانية للمريض.
الإصلاح لا يكون بشراء أجهزة أو بناء مستشفيات جديدة فحسب بل بإعادة بناء الضمير المهني، وإرساء ثقافة المحاسبة والمسؤولية..
رحم الله وئام
وصرنا على فراقها