في أعقاب الفشل الاستخباراتي الذريع والخسائر الفادحة التي مُنيت بها أذرعها العسكرية والأمنية جراء الضربات الجوية، تشهد مليشيا الحوثي الإرهابية تصعيدًا غير مسبوق في حِدة الصراعات الداخلية، وصلت إلى حد التخطيط لتصفيات قيادية ضمن معركة ترسيخ الهيمنة السلالية على حساب القيادات الأخرى.
دخلت المليشيا في حالة ارتباك أمني داخلي واسع منذ الهجمات الجوية التي أودت بحياة رئيس حكومتها غير المعترف بها، و11 مسؤولًا آخرين، بالإضافة إلى مصرع رئيس أركانها، محمد الغماري، العقل العسكري المدبر للحوثيين.
انعكس هذا الانهيار الأمني فورًا في حملات اختطاف ممنهجة طالت مدنيين وموظفين تابعين للأمم المتحدة، في محاولة يائسة للتغطية على الانهيار الداخلي.
و تفاقمت الصراعات بشكل خاص داخل الذراع الأمني بين جناح وزير الداخلية المُنْتَحل عبدالكريم الحوثي، ورئيس جهاز الأمن والمخابرات عبدالحكيم الخيواني.
وقد استغل ذراع العائلة حالة التخبط والعجز الاستخباراتي للخيواني في منع الاختراقات التي طالت كبار القيادات، ليمهد الطريق نحو الإطاحة به وتثبيت نفوذ سلالي جديد.
المهمة القذرة أُسندت إلى "علي حسين الحوثي"، نجل مؤسس المليشيا الهالك "حسين بدر الدين الحوثي"، الذي استمد نفوذه من دعم عمه، زعيم المليشيا "عبدالملك الحوثي".
وهذا التمكين لـ"علي حسين" يأتي في سياق محاولات "عبدالملك الحوثي" لترسيخ هيمنة العائلة الكاملة على مفاصل الحكومة والأجهزة الأمنية، وإقصاء القيادات القبلية والموالية خارج دائرة العائلة الضيقة.
ومُنح "علي حسين الحوثي" صلاحيات واسعة في وزارة داخلية المليشيا، وأسس في وقت سابق "جهاز استخبارات الشرطة" الذي يُوازي جهاز الأمن والمخابرات برئاسة الخيواني، وشَنَّ حملات اختطافات واسعة النطاق في صنعاء وإب والحديدة وذمار وتعز.
ونقلت وكالة الثاني من ديسمبر، عن مصادر أمنية قولها أن قيادة المليشيا، بعد الفشل الاستخباراتي، تسعى بجدية لإزاحة الخيواني وإحلال علي حسين بدلًا منه. ويعمل "عبدالكريم الحوثي" على إعادة هيكلة شاملة لأجهزة المخابرات ودمجها في جهاز واحد يرأسه "علي حسين الحوثي"، لحصر الاختراقات التي ضربت الأجهزة الأمنية. ومن المتوقع دمج خمسة أجهزة أمنية حوثية، أبرزها: "الأمن والمخابرات" و"الأمن الوقائي" و"استخبارات الشرطة".
في محاولة لامتصاص غضب الأتباع وتبرير فشلها الأمني، لجأت المليشيا إلى استخدام المنظمات الأممية كـ"سور قصير تلقي عليه فشلها الأمني والاستخباراتي"، مستغلة تواجد العنصر الأجنبي لرفع الحرج عن نفسها، وفقًا للمحلل السياسي عبدالله عبدالكريم.
أضاف عبدالكريم: "ذهبت المليشيا لتوسيع حملتها ضد موظفي المنظمات الأممية وتوثيق اعترافات تحت الإكراه يتحملون فيها مسؤولية الاختراق... وفي حالة من الحالات اختطفت موظفًا كان يعمل في غزة بعمل إنساني ختم جوازه بتأشيرة دخول إسرائيلية واستغلت ذلك لتلفيق التهم عليه".
مقتل رئيس الأركان "محمد الغماري" لم يكن مجرد خسارة عسكرية، بل كان الفرصة التي اقتنصها ذراع أسرة الحوثي لإزاحة الخيواني، بعد أن تقلص نفوذه إثر مقتل عدد من كبار مسؤولي جهازه في خمس ضربات جوية استهدفت مقراته في صنعاء.