آخر تحديث :الإثنين-13 أكتوبر 2025-06:49م
اخبار وتقارير

حرمان من المرتبات ووعود زائفة.. صرخات الجوع تعلو في مناطق الحوثيين

حرمان من المرتبات ووعود زائفة.. صرخات الجوع تعلو في مناطق الحوثيين
الإثنين - 13 أكتوبر 2025 - 04:59 م بتوقيت عدن
- صنعاء، نافذة اليمن، خاص:

تتصاعد صرخات الجوع يوماً بعد آخر في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، في مشهد يعكس عمق الانهيار المعيشي والاقتصادي الناجم عن استمرار نهب المرتبات العامة، وفرض الإتاوات والجبايات على المواطنين والتجار، وسط تفاقم غير مسبوق في الفقر والجوع وانعدام الدخل في المحافظات الخاضعة للجماعة.


فعلى الرغم من الخطابات الدعائية التي تروّج لها قيادات الميليشيا حول “الصمود” و“الاكتفاء الذاتي”، إلا أن الواقع في صنعاء والحديدة وذمار وإب وغيرها من المدن، يكشف عن معاناة خانقة يعيشها ملايين اليمنيين الذين باتوا عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم اليومية، في ظل الارتفاع المستمر لأسعار السلع والخدمات، وتدهور القدرة الشرائية إلى أدنى مستوياتها منذ اندلاع الحرب.


موجة غضب واسعة واعترافات من داخل المنظومة الدعائية


شهدت منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية موجة واسعة من السخط الشعبي، عقب تداول مقاطع مصوّرة لعدد من الفنانين والإعلاميين الموالين للحوثيين وهم يناشدون ما أسموه "سلطان صنعاء" و"السيد" لصرف مرتباتهم المنقطعة منذ سنوات، في اعتراف علني بندمهم على التورط في آلة الدعاية الحوثية التي كانت تبرر حرمان الموظفين من حقوقهم المالية.


وتصدر المشهد الفنانون أحمد حجر وأنيس العنسي وسلطان الجعدبي وإبراهيم شرف، الذين ظهروا في مقاطع مصوّرة عبر “فيسبوك” يتحدثون بلهجة غاضبة عن تدهور أوضاعهم المعيشية، مؤكدين أنهم يعيشون على حافة الجوع بعد توقف المخصصات التي كانت تصرف لهم من سلطات الحوثيين. وقال أحدهم: “نحن نموت جوعًا، ولا نجد ما نأكله، نطالب بصرف رواتبنا مثلنا مثل غيرنا”، فيما تحدث آخر عن “الوعود الزائفة التي نتلقاها منذ سنوات دون أي تنفيذ”.


هذه المقاطع تحولت إلى مادة نقاش واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر ناشطون أنها “اعتراف متأخر بثمن الكذب والدعاية الحوثية”، فيما ذكّرهم آخرون بمقاطع سابقة كانوا يهاجمون فيها من يطالبون بالرواتب ويتهمونهم بالخيانة. وكتب أحد المعلقين: “من كانوا يقولون إن الراتب خيانة.. اليوم يصرخون من الجوع”.


انكشاف الغطاء الدعائي وتفاقم الأزمة


يرى مراقبون أن هذه الموجة من الغضب تمثل انعكاسًا حقيقيًا لتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة الحوثيين، بعد أن امتدت حتى إلى الأصوات التي كانت جزءًا من ماكينة الترويج للجماعة. ويؤكد هؤلاء أن “الوعود الحوثية بصرف المرتبات لم تكن سوى غطاء دعائي مؤقت سرعان ما انهار أمام الواقع القاسي”.


ويشير مراقبون اقتصاديون إلى أن هذه المعاناة لا تقتصر على الفنانين والإعلاميين، بل تشمل غالبية فئات المجتمع، من الأكاديميين والمعلمين والموظفين العموميين وحتى العاملين في القطاعات الخاصة الذين يواجهون أوضاعًا معيشية مزرية.


الصحفي والناشط مجدي عقبة عبّر عن أسفه لما آل إليه حال الفنانين اليمنيين في مناطق الحوثيين، قائلاً إن “ما نراه في هذه المقاطع تعبير عن وجع إنساني عميق، لا يختلف عن حال المعلمين والأطباء والمثقفين والصحفيين الذين يعيشون جميعًا تحت وطأة الفقر والجوع”. وأضاف متسائلًا: “إذا كان هؤلاء لا يجدون قوت يومهم، فكيف حال عامة الناس؟ إننا أمام مجاعة صامتة لا أحد يجرؤ على الحديث عنها”.


نهب منظم للموارد وتمويل الحرب على حساب الجوعى


ويربط اقتصاديون تصاعد الغضب الشعبي بسياسات النهب المنظم التي تمارسها الميليشيا، حيث تستولي – بحسب تقارير محلية – على أكثر من 1.7 تريليون ريال سنويًا من عائدات الجمارك والضرائب والاتصالات والمشتقات النفطية، دون أن توجه ريالًا واحدًا لصرف المرتبات أو الخدمات العامة. في المقابل، تُنفق هذه الأموال على تمويل مجهودها الحربي واحتفالاتها الطائفية وحملات التجنيد، بينما يواجه ملايين اليمنيين في مناطقها خطر المجاعة والفقر المدقع.


الحوثي يرد على حملة الجوع بالقمع والاعتقالات


في الوقت الذي تتسع فيه موجة الغضب الشعبي، واصل الحوثيون سياساتهم القمعية، حيث لجأت الجماعة إلى الاعتقالات والترهيب بحق الناشطين والفنانين الذين عبّروا عن معاناتهم.


وتقول مصادر محلية في صنعاء إن الميليشيا تمارس “سياسة التجويع والإذلال” بحق المواطنين، إذ تنصلت حتى من صرف نصف الراتب الذي كانت تلتزم بدفعه منذ أكثر من عام، مستغلة مقتل رئيس حكومتها غير المعترف بها أحمد الرهوي في غارة إسرائيلية كذريعة للتنصل من التزاماتها المالية.


وعينت الجماعة خطيب المسجد محمد مفتاح خلفًا للرهوي، في خطوة اعتبرها مراقبون تأكيدًا على رغبة الحوثيين في إحكام السيطرة على الحكومة وتعيين شخصيات تابعة دينيًا لا تمتلك أي خبرة اقتصادية أو إدارية.


في المقابل، عبّر الممثل سلطان الجعدبي عن غضبه قائلاً في مقطع مصوّر: “الممثلون يموتون من الجوع، والوعود التي أطلقها الحوثي والمشاط لم تُنفذ”، مضيفًا بحرقة: “لا تدفعوا الممثلين لبيع أنفسهم بسبب جوعهم وجوع أطفالهم”. فيما أكد الممثل أنيس العنسي أن بعض زملائه اضطروا إلى التسول لتأمين لقمة العيش.


رد أمني عنيف ومزاعم بالتخوين


وردت الميليشيا على هذه الأصوات بحملة قمع واعتقالات، كان أبرزها اختطاف الناشط صالح القاز من منزله في صنعاء، بعد منشور تضامن فيه مع الفنانين وتحدث عن معاناة السكان. وذكرت مصادر حقوقية أن عناصر مسلحة تابعة لجهاز المخابرات الذي يديره علي الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، اقتحمت منزله بطريقة مهينة واقتادته إلى جهة مجهولة، ما أثار موجة استنكار واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.


وفي محاولة لتبرير حملة القمع، زعم القيادي الحوثي أحمد مطهر الشامي أن “مؤثرين يمنيين تلقوا دعمًا من التحالف العربي للتحريض على الجماعة”، متهمًا أجهزة استخبارات سعودية وإماراتية بـ“استقطاب مؤثرين عبر رحلات إلى السعودية ومصر لتوجيههم ضد حكومة صنعاء”.


غير أن مراقبين يرون أن هذه المزاعم ليست سوى ذريعة جديدة لتبرير حملة أمنية تهدف لإسكات ما تبقّى من الأصوات المستقلة، مؤكدين أن الميليشيا مستمرة في “إغلاق المجال العام وتكميم الأفواه في ظل تدهور معيشي غير مسبوق واتساع رقعة الجوع في مناطق سيطرتها”.