شدني وصف خالد بحاح للراحل صالح، قال : كان باسوورد اليمن .
تكثيف حقيقي للرجل، فصالح لم يحكم بالأوامر بل بالحركة والنشاط والإدراك،
ولذا كان كلمة سر البلاد سياسياً وإجتماعياً وعسكرياً. ولما مات شعرت أنا شعوري المهلك، أن الوحيد الذي يستطيع أن يجمع اليمن على طاولة واحدة قد ذهب، وأن يجمع الخصوم قبل الحلفاء حتى، ولي كتابات،لا زالت موجودة، أن موت صالح بالطريقة تلك وبذلك السياق قبل أن تتخلق شخصية تحل محله خسارة عارمة للبلاد، وللسياسة.
حتى بعد تخلي صالح عن السلطة، لم يحلم أحدهم بالزعامة، وأن يعتقد بنفسه تالياً لصالح، وقد صار مجرد رئيس سابق، كان هناك شعوراً خفياً لدى الجميع، حلفاء ومنافسين وخصوم وأقاليم خارج البلاد أن ثمة أمان بوجود علي عبدالله صالح، الممكن له أن يحيط بكل البلاد ويضمن أي شيء، حرب أو سلام، ويضمن واحدية كل شيء،في اليمن، ولديه قواعده الثابتة والوطنية والعربية، التي ينبى عليها حل .
كل هؤلاء، أقل من صالح بكثير، لا أحد منهم لديه الطموح الكامل ليحيط باليمن كلها، ولا أن يعبر طموحه خارج بقعته الصغيرة، عكس علي عبدالله صالح وقد قاده طموحه لأن يفكر بزعامة عربية ويصبح،واحدا من العرب، الذين يتعنونون بالقطر العربي،الدلائل شاهدة على ذلك، فالوحدة والقضايا العربية واشياء كثيرة تؤكد طموحه وأن مواقفه لم تكن بمحض الصدفة بل الطموح، طموحه أكثر من البلاد .
إنتهى علي محسن بموت صالح، وذلك لا يعني أنه استمد قوته من الرجل،بل وزنه من وزن الصديق أو العدو الأول، وبهت محسن وفقد بعض بل كل قدراته، لم يعد يعرف من يناور، وكيف يناور،وعلى ماذا،ومناوراته كانت لمواجهة الزعيم، فمن يواجه، وعلى أي شاكلة .
ذات مرة، سألت مثقفاً كبيراً، كانت صولاته وكتاباته وجولاته تصج البلاد أيام صالح، أين أختفيت ولماذا تركت؟ أجاب بحسرة وهو من أشد معارضي الزعيم، وقال : كنا نكبر بمعارضة علي عبدالله صالح،ومات ولم نجد من يستحق عناء المعارضة، وعناء الكتابة حتى.
أتحداهم، كل هؤلاء في ساحة البلاد، أتحداهم واحداً واحداً أنهم قد فكروا ولو تفكيراً أو تخيلوا خيالاً أن يحلوا بمحل ومكانة صالح، لا في الشمال المحتل ولا في الجنوب المثخن، ولا في الوسط، وأن يحيطوا علماً باليمن كلها، ليس لأجل المثال المتخيل بل لأجل طموحهم،لأجل المجد، لأجل التأريخ، والماثل أمامنا غثاء في غثاء، كل منهم يمثٌل أمامنا حيث يحكم ويعرض قدراته، ولا أحد بطول وعرض البلاد ،لذا هي أمامكم تتصاغر وتهون وتصغر، وكل واحد منهم يكتفي بما لديه، بل ويفرح، وكلنا نزعل من كلنا، ولا نحيط بكلنا، ولا نتسامى عن كلنا.
إكره صالح، قل ما شئت، لكنك تعجز عن الكذب، ولا تستطيع الا القول أنه عظم شخصية يمنية في التأريخ الحديث، فمن سيطر لثلاثين سنة على تفاصيل البلاد وهي أمامكم الآن، يعتبر بشدة واحداً من الخالدين .