آخر تحديث :الخميس-09 أكتوبر 2025-05:59م
اخبار وتقارير

تحليل: من يربح حرب اليمن؟ لا أحد

تحليل: من يربح حرب اليمن؟ لا أحد
الخميس - 09 أكتوبر 2025 - 01:05 م بتوقيت عدن
- عدن، نافذة اليمن، صحيفة العرب:

يدخل اليمن عامه الحادي عشر من الحرب وهو عالق في دائرة مغلقة من الصراع والانقسام، بلا أفق واضح للسلام ولا قدرة على العودة إلى ما قبل الحرب. وبينما تتصارع القوى الإقليمية والدولية على النفوذ، يدفع الشعب اليمني ثمن حرب لم يخترها.


صنعاء- بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب الأهلية في اليمن، تبدو البلاد غارقة في مأزق سياسي وعسكري لا نهاية واضحة له، إذ فشلت كل الأطراف المتصارعة في تحقيق أي نصر حاسم، بينما تتواصل جهود “السلام”.


ويعيش اليمن اليوم حالة إنهاك شامل، حيث لا حكومة عدن قادرة على توحيد صفوفها واستعادة مؤسسات الدولة، ولا سلطة صنعاء التي يقودها الحوثيون قادرة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها بشكل يضمن الحد الأدنى من الاستقرار.


وشهدت الأسابيع الأخيرة تطورا جديدا في مسار الأزمة بعد أن استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية قيادات بارزة في حكومة صنعاء، ما دفع الحوثيين إلى تشكيل حكومة جديدة تقريبا بالكامل.


وفي المقابل، تعيش الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا حالة من الانقسام الداخلي الحاد، إذ تفاقمت الخلافات بين مكوناتها داخل مجلس القيادة الرئاسي حول شرعية القرارات وتوزيع النفوذ.


لا حكومة عدن قادرة على توحيد صفوفها واستعادة مؤسسات الدولة، ولا الحوثيون في صنعاء قادرون على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم

وأضعفت هذه الانقسامات المتكررة قدرة الحكومة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها، وجعلت من سلطتها شكلية أكثر منها فعلية.


ويرى خلدون بكاهيل، المستشار الإستراتيجي في المركز الدولي للحكم في قطاع الأمن بجنيف وخبير الشؤون السياسية والعسكرية اليمنية، في تقرير نشرته مجلة ناشونال أنتريست الأميركية، أن البلاد تعيش حالة من الجمود التام، فلا طرف يملك القدرة على الحسم ولا آخر يستطيع الانسحاب أو التنازل.


ويؤكد بكاهيل أن الحل العسكري أصبح مستحيلا في ظل ميزان القوى الحالي، إذ إن الحوثيين لن يختفوا بفعل الضربات الجوية، كما أن الحكومة المعترف بها دوليا لن تُستبعد بالكامل بسبب الدعم الذي تتلقاه إقليميا ودوليا.


ولم ينجح هذا الدعم، رغم أهميته، في تغيير موازين القوى على الأرض، بل ساهم في إبقاء الوضع على ما هو عليه، حيث تتبادل الأطراف السيطرة والاتهامات دون تحقيق اختراق حقيقي.


ويشير بكاهيل إلى أن أحد أسباب استمرار الأزمة هو غياب سياسة أميركية واضحة تجاه اليمن، إذ تنتهج واشنطن ما يسميه “سياسة اللا سياسة”، وهي حالة من الغياب الدبلوماسي والإستراتيجي التي تترك فراغا تملؤه قوى أخرى كروسيا والصين.


ويقول إن استمرار هذا النهج يضر بالمصالح القومية الأميركية في المنطقة أكثر مما يخدمها، لأن ترك الساحة دون حضور أميركي فعّال يتيح لقوى أخرى تعزيز نفوذها في البحر الأحمر والخليج العربي.


وفي المقابل، تلعب الصين دورا متوازنا ومتقدما، إذ تحافظ على علاقات مفتوحة مع جميع الأطراف اليمنية، من الحوثيين إلى الحكومة، وتنجح في الوقت نفسه في الحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية مع دول الخليج.


وتمنح هذه السياسة القائمة على الحياد المدروس بكين مساحة أوسع للحركة في المنطقة وتضعها في موقع مؤهل للعب دور الوسيط في المستقبل.


وأما روسيا فتستفيد من غياب الدور الأميركي لتعزيز علاقاتها مع القوى الإقليمية المتحالفة معها، وتستخدم الملف اليمني كجزء من إستراتيجيتها الأوسع لمواجهة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.


وفي الداخل اليمني، تحولت الحرب إلى مأساة إنسانية مستمرة، إذ يعيش أكثر من ثلثي السكان تحت خط الفقر، ويعتمد معظمهم على المساعدات الإنسانية التي لا تصل بانتظام بسبب تعقيدات الحرب وانعدام الأمن.


وجلع تدهور العملة المحلية وانهيار الخدمات الأساسية وانتشار الأوبئة من الحياة اليومية معركة بقاء مستمرة، فيما يعاني الملايين من الأطفال من سوء التغذية وانقطاع التعليم.


ويرى بكاهيل أن الخروج من هذا المأزق يتطلب مفاوضات شاملة تضم جميع القوى المؤثرة على الأرض دون استثناء، بما في ذلك الحوثيون والمكونات القبلية والمناطقية.


ويؤكد أن أي محاولة لإقصاء طرف من الأطراف الفاعلة لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الصراع في شكل جديد، لأن اليمن بلد متعدد القوى والمصالح والهويات، ولا يمكن فرض تسوية فيه من الخارج أو من طرف واحد.


ويجد اليمن نفسه اليوم أمام لحظة مصيرية في تاريخه الحديث، إذ يقف على مفترق طرق حاسم بين خيارين لا ثالث لهما: إما المضي في مسار تسوية سياسية شاملة تُنهي حالة الحرب وتعيد بناء الدولة على أسس جديدة من الشراكة والتوازن، وإما البقاء في دوامة الصراع التي تهدد بتحويل البلاد إلى فسيفساء من الكيانات المتناحرة والمناطق المعزولة عن بعضها البعض.


وهذه اللحظة ليست وليدة التطورات الأخيرة فحسب، بل نتيجة تراكم عقد كامل من الفشل في إدارة الصراع والانقسامات العميقة التي التهمت مؤسسات الدولة وأضعفت الهوية الوطنية الجامعة.


الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تعيش حالة من الانقسام الداخلي الحاد، إذ تفاقمت الخلافات بين مكوناتها داخل مجلس القيادة الرئاسي حول شرعية القرارات وتوزيع النفوذ


وتتأرجح احتمالات التسوية في اليمن بين التفاؤل الحذر والتشاؤم الواقعي. فمن جهة، هناك إدراك متزايد لدى القوى المحلية والإقليمية باستحالة الحسم العسكري بعد سنوات من الحرب التي لم تُنتج إلا الدمار والإنهاك المتبادل، ومن جهة أخرى، لا يزال انعدام الثقة بين الأطراف، والتدخلات الخارجية، وتناقض المصالح، تشكل عقبات هائلة أمام أي اتفاق دائم.


ومع أن جهود الوساطة الإقليمية والدولية، سواء التي رعتها الأمم المتحدة أو التي حاولت سلطنة عمان احتضانها بهدوء، أفضت إلى تفاهمات إنسانية مؤقتة ووقفات جزئية لإطلاق النار، إلا أن هذه المبادرات لم تترجم إلى مسار سياسي واضح ومستقر.


ويتفق المراقبون على أن أي تسوية حقيقية في اليمن يجب أن تكون يمنية – يمنية بالدرجة الأولى، وأن تُبنى على قاعدة شمول جميع القوى الفاعلة، دون إقصاء أو تهميش.


ويتطلب بناء تسوية مستقرة صياغة عقد اجتماعي جديد يعترف بالتنوع السياسي والمناطقي لليمن، ويؤسس لنظام حكم لا مركزي يوازن بين المركز والأطراف، وبين الشمال والجنوب، ويضمن تقاسما عادلا للسلطة والثروة.


وهذا المسار لا يمكن أن يُفرض من الخارج، لكنه يحتاج إلى رعاية إقليمية متوازنة تشرف عليها أطراف محايدة قادرة على جمع الفرقاء، مثل سلطنة عمان والكويت، بعيدا عن محاور الصراع الحادة التي ساهمت في تمزيق البلاد.


وفي المقابل، يظل الدور الدولي عاملا حاسما في إنجاح أو إفشال أي تسوية محتملة. فغياب الولايات المتحدة عن المشهد وفتور اهتمام الاتحاد الأوروبي تركا الساحة لفاعلين جدد مثل الصين وروسيا، اللتين تسعيان إلى تعزيز حضورهما في المنطقة ضمن ترتيبات أمنية واقتصادية أوسع تمتد من البحر الأحمر إلى خليج عدن. كما أن الأمم المتحدة، رغم جهود مبعوثيها المتعاقبين، فإنها ما زالت تفتقر إلى أدوات الضغط الفعلية على الأطراف، ما يجعل قدرتها على فرض حل نهائي محدودة للغاية.


وأما في الداخل، فإن إعادة بناء الدولة اليمنية بعد الحرب لن تكون ممكنة دون عملية مصالحة وطنية شاملة تُعالج جراح الماضي وتعيد الثقة بين المكونات المختلفة. فالتجارب السابقة أظهرت أن التسويات الشكلية أو الاتفاقات الثنائية قصيرة الأمد لا تُنتج سوى صراعات جديدة بعد سنوات قليلة.


وبتركيبته القبلية والمذهبية والمناطقية المعقدة، يحتاج اليمن إلى نموذج حكم تشاركي مرن يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل إقليم، ويضع حدا لاستخدام العنف كأداة سياسية.