قدّم الصحفي والمحلل الاقتصادي ماجد الداعري قراءة تحليلية معمقة للآلية الجديدة التي اعتمدتها الحكومة والبنك المركزي لتمويل اعتمادات المستوردين، معتبرًا أنها خطوة جريئة لإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية في مرحلة استثنائية، يكون فيها المواطن في صدارة الاهتمام، حتى وإن جاء ذلك على حساب دعم كبار التجار أو التوسع غير المدروس في الاستيراد.
وأوضح الداعري، في تصريحات صحفية، أن السلطات المالية تسير وفق نهج مزدوج يجمع بين إجراءات ضبطية صارمة وتحسين إدارة الموارد المحلية، بهدف توجيهها لمواجهة التضخم المتسارع وتدهور قيمة العملة الوطنية، وهو ما انعكس مباشرة على القوة الشرائية للمواطنين، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وأشار إلى أن السياسات السابقة في دعم غير الموجّه لم تعد ممكنة، مؤكدًا أن كبار التجار – خاصة المستوردين – استفادوا لسنوات من تقلبات السوق وفروق أسعار الصرف، وحققوا أرباحًا طائلة بينما دفع المواطن الثمن الأكبر. وبناءً على ذلك، يرى الداعري أن من الطبيعي مطالبة هذه الفئة بتحمل جزء من تكلفة الإصلاحات الاقتصادية باعتبارهم شركاء في المسؤولية الوطنية، لا مجرد متلقين للدعم.
وفي ما يخص الآلية الجديدة لتمويل الاستيراد، أوضح الداعري أن القرار يتم مركزيًا من خلال شراكة بين الحكومة والبنك المركزي، وبمساندة القطاع المصرفي المحلي، حيث ستُكلف البنوك التجارية وشركات الصرافة بتوفير العملة الصعبة للمستوردين بشكل انتقائي، وفق قائمة سلع أساسية محددة غير مشمولة بقرارات اللجنة الاقتصادية، بما يضمن تركيز التمويل على الاحتياجات الحيوية فقط.
وبيّن أن الهدف هو ضبط السوق وضمان وصول العملة الصعبة إلى وجهتها الصحيحة، في ظل شح مالي وانعدام تدفقات خارجية، مؤكدًا أن السلطات تسعى لإجبار شركات الصرافة على تمويل استيراد عملائها عبر القنوات المصرفية الرسمية، لسحب المدخرات الكبيرة من العملات الأجنبية المحتجزة خارج النظام المصرفي وإدخالها إلى القنوات الرسمية.
ووصف الداعري هذه الخطوة بأنها "محاولة جريئة وغير مسبوقة" لكسر احتكار السوق الموازية وإعادة البنك المركزي إلى موقعه كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، وتعزيز قدرته على بناء احتياطي نقدي استراتيجي يمكّنه من تمويل الواردات الحيوية مستقبلًا.
وأكد أن هذه الآلية تحقق هدفين أساسيين:
1. تقليص نشاط السوق الموازية، أحد أبرز أسباب تقلبات سعر الصرف.
2. إدخال السيولة الأجنبية إلى النظام المصرفي لدعم الاستقرار النقدي وزيادة قدرة البنوك على تمويل الاقتصاد.
ورغم إشادته بالاتجاه العام للسياسة الاقتصادية، حذّر الداعري من أن نجاح الخطة يتوقف على استجابة السوق، نظرًا لاعتمادها بالكامل على السيولة المحلية من العملات الأجنبية، لا على تدفقات خارجية مثل الودائع أو القروض أو المساعدات.
وختم الداعري بالتأكيد على أن الدولة تمضي في الاتجاه الصحيح بوضع المواطن في قلب أولوياتها، داعيًا إلى شفافية أكبر ورقابة أكثر فاعلية، وتحفيز شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص تقوم على المسؤولية الوطنية لا المكاسب الفردية، مشددًا على أن "الإصلاح الاقتصادي لن ينجح إلا بتوزيع عادل للأعباء، وبمشاركة الجميع في بناء اقتصاد مستقر يعيد الثقة بالعملة ويمنح الناس أملًا في حياة كريمة".