لا تزال أسباب الانفجارات المتزامنة التي هزّت مدينة صنعاء، الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، محاطة بالغموض، مع اقتراب مرور 24 ساعة على وقوعها، في ظل غياب أي تقارير عن ضربات جوية، وتصاعد الحديث عن احتمال حدوث اختراق أمني أو استخباراتي.
وشهدت صنعاء صباح الخميس انفجارات عنيفة، تركزت في الأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية من المدينة، بينها انفجار وقع بشكل منفصل بعد وقت قصير من الانفجارات الثلاثة الأولى التي أدت إلى سقوط ضحايا بين المدنيين، وسط حالة من الذعر في الأحياء المجاورة، بحسب مصادر.
وأكدت المصادر أن الانفجار الأول سُجّل قرب قاعدة "الديلمي" الجوية المجاورة لمطار صنعاء الدولي، شمالي العاصمة، حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحاً، وذلك بالتزامن مع هجوم صاروخي شنته الميليشيات الحوثية باتجاه إسرائيل، ما أثار تكهنات حول صلة محتملة بين الحدثين.
فشل صاروخي
وقالت المصادر لـ"إرم نيوز" إن أحد الصواريخ الباليستية التي أطلقتها ميليشيا الحوثي من مرتفعات "يام" الجبلية في مديرية نهم شرقي صنعاء باتجاه اسرائيل ، لم يغادر الأجواء اليمنية، وسقط بالقرب من قاعدة "الديلمي" الجوية، على مقربة من مطار صنعاء الدولي.
وأدى سقوط الصاروخ، بحسب المصادر، إلى إغلاق مؤقت للملاحة الجوية في مطار صنعاء وتأجيل الرحلة الجوية اليومية الوحيدة التي كانت مقررة في ذلك اليوم.
وبعد أقل من نصف ساعة على الحادث، هزّت العاصمة ثلاثة انفجارات متزامنة وعنيفة في موقع عسكري تابع يقع بين مديريتي بني الحارث وبني حشيش، شمال شرقي صنعاء، وفق ما أفادت به مصادر عسكرية.
وأوضحت المصادر أن الانفجارين الأولين وقعا داخل نقطة تفتيش أمنية عند مدخل المعسكر، حيث كان يتجمع عدد من عناصر الميليشيا، بينما كان الانفجار الثالث هو الأشد، وضرب منشأة سرية لتخزين الأسلحة تقع أسفل بناية سكنية قرب مدخل المعسكر، ما تسبب بأضرار جسيمة في المبنى والمناطق المحيطة.
انفجارات مربكة
وبحسب المصادر، فإن الانفجارات الثلاثة لم تكن ناتجة عن هجوم جوي، وتسبب أحدها في وقوع سلسلة انفجارات لاحقة، تطايرت خلالها العشرات من مقذوفات الدفاع الجوي للحوثيين، وأنواع مختلفة من الذخائر المتوسطة، إلى جانب اشتعال كميات من الوقود الصلب المخزن في المنشأة المحصّنة تحت الأرض، بالإضافة إلى نترات الأمونيوم.
وبحسب المصادر العسكرية، فإن الانفجارات العنيفة والمروعة المنبعثة من داخل مستودع السلاح، نسفت المبنى في أعلاها بالكامل، ما أسفر عن إبادة 3 أسر بالكامل، فضلا عن مقتل وإصابة العشرات من السكان المحليين وملاك المحلات التجارية المجاورة، وأحدثت دمارا واسعا في الحي السكني.
وفي ظل صمت ميليشيا الحوثي المستمر تجاه ما حدث، لفتت المصادر إلى حجم الإرباك الذي أحدثته الخسائر البشرية الجسيمة، ما صعّب عليها صياغة رواية مقبولة يمكن ترويجها للرأي العام المحلي والدولي.
150 قتيلا وجريحا
أكد المتحدث الرسمي باسم القواتالمشتركة، العقيد وضاح الدبيش، أن الانفجار أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 مدنيًا، وإصابة أكثر من 120 آخرين، إضافة إلى تشريد عدد من الأسر التي فقدت مساكنها جراء الانفجارات.
وأوضح الدبيش، في بيان وزع على وسائل الإعلام، أن المعلومات الأولية تشير إلى مصرع عدد من الخبراء العسكريين الأجانب وآخرين يمنيين داخل المنشأة التي شهدت الانفجار، في وقت تواصل فيه الميليشيا فرض تعتيم كامل على تفاصيل الحادثة.
وأشار إلى أن قيام الحوثيين بتخزين الصواريخ والذخائر بشكل سري داخل منطقة مكتظة بالسكان، يمثل "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني"، محذرًا من استمرار هذا السلوك الذي يهدد حياة المدنيين.
ودعا الدبيش إلى فتح تحقيق دولي عاجل وشفاف في الحادث، لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، وضمان حماية المدنيين في مناطق النزاع، والعمل على وضع حد للانتهاكات المتكررة التي ترتكبها الميليشيا المسلحة.
اختراق أم خيانة؟
لا تستبعد المصادر العسكرية اليمنية فرضية وجود اختراق استخباراتي دولي داخل صفوف الحوثي، استهدف إما شخصية بارزة، أو مواقع حساسة تتعلق بإنتاج وتخزين وقود الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، أو مخزون صواريخ الدفاع الجوي، التي سبق أن استخدمتها الميليشيا لإسقاط طائرات مسيّرة أمريكية في الأجواء اليمنية.
وفي تعليق له على الحادثة، تساءل رئيس مركز "أبعاد للدراسات والبحوث"، عبدالسلام محمد، عبر منصة "إكس"، عن سر الأسلحة الحوثية المخزنة التي تسببت في تدمير جزء كبير من حي سكني، وخلفت عشرات الضحايا، مشيرًا إلى تساؤلات حول ما إذا كانت الميليشيا تسير على خطى حزب الله اللبناني في نهجها العسكري وتخزينها السري للأسلحة وسط الأحياء المدنية.
من جهته، أشار الناشط علي فاضل، المهتم بمتابعة شؤون الميليشيا، في تدوينة على المنصة ذاتها، إلى أن عددًا محدودًا من قيادات الحوثيين على دراية بمواقع تلك المخازن العسكرية، مرجحًا أن "الاختراق تم من أعلى هرم القيادة"، مؤكدًا أن وقوع انفجار بهذا الحجم في أحد أكبر مخازن السلاح لدى الميليشيا دون أي قصف خارجي، يُعد كارثة حقيقية.