في ذاكرة الشعوب تبقى أسماء قليلة خالدة، أسماء صنعت الفارق وغيّرت مجرى التاريخ، وكتبت ملاحم بأحرف من ذهب لا تمحوها الأيام. وفي ذاكرة اليمنيين، يسطع اسم الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح كالنجمة التي لا تغيب، وكالشجرة الوارفة التي استظل بظلها وطن بأكمله لأكثر من ثلاثة عقود. إنه الزعيم الذي لم يكن مجرد رئيس دولة، بل كان الأب والقائد والرمز، وصوت الشعب وإرادته، وصانع وحدة خالدة صنعت هوية اليمن الحديث.
لقد جاء صالح من قلب الشعب، يعرف تفاصيل حياتهم، ويشعر بآلامهم، ويدرك أحلامهم. لم يكن قصر الحكم عزلة عنه، بل كان واحدًا منهم، يعيش بينهم بروح الجندي، ويتكلم بلسان المزارع، ويخطط بعقلية القائد الفذ. ومن هذه الروح البسيطة والعظيمة في آن، وُلدت وحدة الثاني والعشرين من مايو، اليوم الذي كتب فيه التاريخ ميلادًا جديدًا لليمن، وحوّل الحلم الذي عاش في صدور الأجيال إلى واقع خالد.
وما بين صنعاء وعدن، كان صالح يزرع بذور الدولة الحديثة، دولة المؤسسات والقانون. فقد حمل هم الإصلاحات السياسية والإدارية، وفتح أبواب الديمقراطية على مصراعيها، لتشهد اليمن انتخابات رئاسية تنافسية أبهرت العالم، وحوارًا وطنيًا شجاعًا احتضن الجميع. كان يؤمن أن المشاركة الشعبية ليست شعارًا، بل أساسًا متينًا تُبنى عليه الأوطان.
وفي عهده، ارتفعت رايات التنمية. ففي الزراعة شجّع الأرض والإنسان معًا، فدعم الفلاحين بالقروض وشجّع زراعة القمح ليصنع استقلال القرار الغذائي. وفي الصناعة والاقتصاد فتح الأبواب للاستثمار، فكانت المصانع والمشاريع الصغيرة والمتوسطة رافدًا جديدًا للاقتصاد الوطني. أما البحر، فقد جعله ثروة متجددة، يحميه من الاصطياد الجائر، ويفتح آفاقه للتصدير إلى العالم.
ولم يكن الشباب خارج حساباته، بل كانوا في قلب مشروعه الوطني. مدّ لهم يده بالدعم والرعاية، فشيّد لهم مدنًا سكنية، وأقام المنشآت الرياضية والثقافية، ليصنع أجيالًا تؤمن بالعلم والعمل، وتحمل على عاتقها راية المستقبل. والمرأة كذلك حظيت بمكانة لم تعرفها من قبل، فدخلت البرلمان والوزارات والسفارات، لتكون شريكة الرجل في القرار والبناء.
أما في مواجهة الإرهاب والتمرد والقرصنة، فقد كان صالح رجل الدولة الحازم، الذي لا يتهاون مع من يهدد أمن الوطن، وفي الوقت ذاته كان إنسانًا يفتح أبواب العفو والحوار. جمع بين قوة السيف وحكمة الكلمة، بين هيبة الدولة ورحابة القلب، ليبقى القائد الذي يعرف متى يكون صارمًا ومتى يكون متسامحًا.
لقد كان علي عبدالله صالح، وسيبقى، رمزًا خالدًا لا يغيب. فالوطن اليوم، وهو يستذكره، لا يستذكر مجرد رجل حكم، بل يستعيد زمنًا كاملًا من المجد والعزة والكرامة. كان صالح وطنًا بحجم رجل، ورجلًا بحجم وطن. وإن رحل جسده، فإن روحه ما تزال تنبض في كل حجر من أرض اليمن، وفي كل قلب يمني حر يرفض الانكسار.
إنه الزعيم الذي حمل اليمن في قلبه، فحمله اليمن في ذاكرته ووجدانه. سيبقى اسمه محفورًا في صفحات التاريخ، نجمًا ساطعًا في سماء الأمة، وراية خفاقة لا تنكس.
الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، الزعيم الخالد، الذي لا يموت، باني اليمن وصانع وحدته، ورمز العزة،.
ولم يتوقف عطاء الزعيم عند حدود التنمية، بل كان درع الجمهورية في وجه التحديات الأمنية والإرهاب والتمرد. ففي الوقت الذي حاولت فيه قوى الشر جر اليمن إلى الفوضى والخراب، كان صالح يرفع راية الحوار والتسامح، لكنه في الوقت ذاته لا يتردد في حمل البندقية إذا كان الوطن مهددًا.
وعندما تمددت مليشيا الحوثي بظلاميتها وسلاليتها، وشرعت بفرض لجانها الثورية، وتغيير مناهج التعليم، واحتلال مؤسسات الدولة، وابتزاز الناس بالجبايات غير القانونية، وقف الزعيم رافضًا الانحناء، معلنًا أن اليمن ليس مزرعة عائلية ولا غنيمة سلالية. صرخ في وجوههم: الجمهورية قدرنا، والشعب هو السيد، ولا مكان لسلطة الكهف في دولة المؤسسات.
لقد دافع صالح عن الثورة والجمهورية حتى آخر قطرة دم، مؤكدًا أن كرامة اليمني لا تُمس، وأن سيادة الشعب لا تُختطف. قاوم مشروع الإمامة الجديد بصلابة وإيمان، وواجه عنصريتهم بمشروع وطني جامع، فكان صوتًا للحرية في زمن الاستعباد، ورمزًا للمساواة في وجه التمييز.
وكانت وصاياه العشر ميثاقًا خالدًا للأجيال:
1. التمسك بالثورة والجمهورية والوحدة.
2. رفض السلالية والعنصرية بكل صورها.
3. الدفاع عن النظام الجمهوري حتى آخر قطرة دم.
4. الحفاظ على مؤسسات الدولة وعدم العبث بها.
5. مواجهة الفساد والجبايات غير القانونية.
6. حماية التعليم من التزييف وتغيير المناهج.
7. صون كرامة الجيش والأمن باعتبارهما درع الوطن.
8. تعزيز الوحدة الوطنية ونبذ الكراهية.
9. رفض الإحلال الأسري في الوظائف والمؤسسات.
10. التضحية في سبيل اليمن أرضًا وإنسانًا وتاريخًا.
هذه الوصايا لم تكن مجرد كلمات، بل كانت خلاصة حياة زعيم عاش للوطن و استشهد في سبيله، وترك للأجيال خارطة طريق تضيء لهم درب الحرية والاستقلال.
إن الحديث عن الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح ليس سردًا لسيرة رجل فقط، بل هو كتابة لملحمة وطن. هو ذاكرة الجمهورية وروحها، حارسها وبانيها، ورمزها الذي سيبقى خالدًا في وجدان اليمنيين، ما دامت شمس الحرية تشرق على هذه الأرض.