في 16 اكتوبر 2014 أرسل حزب الإصلاح على وجه السرعة عدداً من البرلمانيين الى عدن ليعلنوا الإنفصال.
وصلوا الى عدن وبعد يومين رفعوا لافتات فك الارتباط ثم انشأوا "الكتلة البرلمانية الجنوبية" هناك برئاسة النائب محسن باصرة.
جرت تلك الترتيبات بالتنسيق مع الرئيس هادي في صنعاء الذي أرسل من جهته نائب رئيس مجلس النواب محمد الشدادي ( ممثل مدينة زنجبار ـ ابين) للالتحاق بتلك الكتلة وتزعمها واستقطب الاصلاح نواباً من المؤتمر لهذا الغرض ( فؤاد واكد ـ مؤتمر عن مدينة الشحر حضرموت وعبدالخالق البركاني مؤتمر عن احدى مديريات عدن وسالم منصور حيدرة موتمر عن مدينة جعار ابين).
لاحظوا كيف جرت الامور التي اوصلت الاوضاع الى هذه اللحظة المريرة.
حضر الاجتماع التأسيسي لـ " الكتلة البرلمانية الجنوبية" يومها في عدن النواب التالية اسماؤهم وظهروا امام وكالات الانباء المحلية و الدولية وهم يرفعون لافتات تطالب بفك الارتباط: انصاف مايو ( اصلاح عدن) ـ سعيد دومان ( اصلاح سيئون) ـ محسن باصرة ( اصلاح ـ حضرموت) ـ عوض باوزير ( اصلاح حضرموت) ـ عبده محسن مهدي ــ ( اصلاح الضالع)ـ احمد حسن باحويرث ( اصلاح حضرموت) ــ عبدالخالق بن شيهون ( اصلاح يافع) فؤاد واكد ( مؤتمر ـ الشحر حضرموت) وغيرهم من نواب الاصلاح والمؤتمر المحسوبين على هادي ( لاحظوا الصورة المرفقة بهذا المنشور).
هذه حقائق ووقائع سليمة . وبالتزامن مع اشهار هذه الكتلة البرلمانية خرجت جماهير الاصلاح في عدن يرفعون اعلام الانفصال واللافتات المطالبة بفك الارتباط وغطت الجزيرة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة هذه المسيرات.
لماذا عمدوا الى تلك الخطوة بينما كان الرئيس هادي والجميع لايزالون في صنعاء !
الجواب:
اولاً / للضغط على صالح وممارسة الابتزاز
ثانياً/ لقطع الطريق امام مجلس النواب حتى لا يتولي شئون البلاد ( كخطوة استباقية لاتجاه دستوري متوقع) وفقاً لنص المادة 116 من دستور الجمهورية اليمنية التي نصت على تولي البرلمان رئاسة الدولة في حالة الفراغ والطوارئ المرتبطة بحياة الرئيس ( خصوصاً وكانت فترة الرئيس هادي قد قاربت على الانتهاء وفقاً للمدة الزمنية المتوافق عليها). وكانت تلك الخطوة لو تمت ستقود البلاد الى مخارج دستورية خلال 60 يوماً انتخاب رئيس جديد!
رفضوا هذه الفكرة واعلنوا الانفصال وسلموا العاصمة والدولة لجهة بديلة!
عقب اشهار "الكتلة الجنوبية" برعاية الاصلاح وهادي شخصياً عقد البرلمان في صنعاء في اليوم التالي مباشرة جلسة لمناقشة هذه التطورات ووقف سلطان البركاني منتقداً مثل هذه المكايدات والمجازفة في قضايا سيادية ليست في صالح الجنوب ولا الشمال معاً.
يومها قوبل طرح البركاني بموجات ردود عاتية من نواب الاصلاح وخطبائه..
هذه شهادة للتأريخ!
واذكر ان من بين الامور التي قال لهم يحيى الراعي:" يا جماعة الوحدة والجمهورية مش حق الاحزاب ولا هي حق علي عبدالله صالح حتى تبتزوه بها.. لا تكسروا ناموس الدولة".
لم يكترث أحد!
وفي 24 فبراير 2015 قال النائب عن التجمع اليمني للاصلاح عبدالخالق بن شيهون لصحيفة الايام حرفيّاً:" نحن في الكتلة البرلمانية الجنوبية أعلنا اننا مع حق تقرير المصير واننا لن نجتمع في جلسة برلمانية في صنعاء ونحن بصدد عقد جلسات لمناقشة قضايا المحافظات الجنوبية". ثم اضاف بشكل حاسم:" نحن على استعداد لتشكيل حزب الاصلاح الجنوبي"!
يومها وسّع هادي والاصلاح الفكرة وحشدوا الى تلك الكتلة وجوهاً جديدة من حضرموت وعدن والضالع وابين وغيرها وأعلنوا إشهارها رسمياً في عدن بلافتات وعنوان انفصالي عريض بزعامة الشدادي وباصرة الذين دفع بهما ــ لاحقاً ــ الاصلاح وهادي (هما نفسيهما) الى سدة رئاسة البرلمان ( الحالي) مطلع ابريل 2019 وايضاً بالبركاني الذي اعترض عليهما الى رئاسة المجلس في واحدة من اغرب التقلبات السياسية في اليمن.
وما بين الجلستين النيابيتين: الاولى التي انعقدت في صنعاء بتاريخ 17 اكتوبر 2014 لمناقشة اشهار نواب الاصلاح كتلة نيابية ذات مضامين انفصالية وما بين: جلسة سيئون النيابية في 13 ابريل 2019 زمنياً خمس سنوات ونصف وخلال هذا الزمن جرت امور وتطورات ضخمة وفتحت اليمن على مصراعيها: فتحة الجن للجندي وامير السرية!
في المرة الاولى كان النائبان محسن باصرة ومحمد الشدادي يتزعمان الكتلة الجنوبية ويرفعان حق تقرير المصير وفي المرة الثانية: كانا هما نفسيهما في برلمان سيئون الى جوار هادي اعضاء في هيئة رئاسة البرلمان يرفعان يافطة الوحدة.
وفي جلسة سيئون ( اليتيمة) تلك ارتفعت الاصوات البرلمانية ضد اي كتلة ذات طابع جهوي او انفصالي او مناطقي! والعودة الى فكرة الكتل السياسية!
وامام كل هذه المشاهد الهزلية احترقت قاعة برلمان سيئون في اليوم التالي بكل تجهيزاتها ومقاعدها! وكانت اليمن تحترق من اقصاها الى اقصاها!
وفي بيان لها بتاريخ 24 سبتمبر 2019 اصدرته "الكتلة البرلمانية الجنوبية" دعت فيه:" الرئيس هادي الى التحرر من الضغوط واصدار بيان يدعو فيه المجلس الانتقالي وفصائل الحراك للحوار ونزع فصيل الحرب التي تخيم على مختلف مناطق الجنوب"!
في بيان آخر لهذه الكتلة بتأريخ 12 تشرين/ اكتوبر 2019 اتهمت فيه الشرعية بأنها حرفت سهم الحرب باتجاه الجنوبيين واتهم البيان اطرافاً في الشرعية وصفها البيان بأنها " نشاز تحاول دق إسفين بين السعودية والإمارات"!
وما نشهده اليوم هو تداعيات لتلك المهازل والتجريف الذي جرى للدولة وهيبتها القانونية.
امس كان الرجلان نفسيهما ( باصرة والشدادي الذين كان يتزعمان الكتلة الجنوبية) الى جوار الرئيس العليمي في اجتماع مجلس الدفاع الوطني باعتبارهما في هيئة رئاسة السلطة التشريعية يطلبان من دول التحالف اتخاذ تدابير عسكرية ضد المجلس الانتقالي ونزعاته الانفصالية!
هل رأيتم كيف تتبدل المواقع واللافتات وكيف جرى ويجري اللعب والعبث بسيادة بلد ووطن وشعب!
هذه الدماء المهدورة اليوم وهذه المخاطر الكبرى التي تعصف ليس فقط بأمن وسلامة هذا البلد العريق ولكن ايضاً وتهدد الاقليم برمته إنما هي نتائج لكل هذه الافعال والكيد.
هل يصغي الاصلاحيون ( بل الاخوان المسلمون حول العالم) الى كلام العقل والمنطق بخصوص امور ترتبط بمفاهيم سيادية: الدولة والوطن والسيادة والديمقراطية والدساتير الوطنية!
وقفتم معترضين على فكرة الوحدة عشية توقيعها عام 90 ثم بعد اربع سنوات اعتبرتم النكوص عنها كفر واعلنتم الحرب والجهاد.
وقفتم ضد دستور الوحدة وافتى الزنداني بأن الاحتكام اليه شرك ثم لما تم تصعيده عضوا في مجلس الرئاسة صار حلالا وألف كتاب التوحيد!
قضيتم على الحزب الاشتراكي واجهزتم عليه بفتاوى التكفير وبعد سنوات تحالفتم معه ضد الدولة والمؤتمر وضد صالح تحديداً.
يقول العديد من نواب الاصلاح ان الديمقراطية كفر ثم تأتون محمولين عبرها الى قاعة البرلمان.
كانت المناهج التعليمية ذات طابع وطني كنا نقرأ فيها قصص الابطال والرموز الوطنيين الجمهوريين: كالثلايا واللقية والعلفي والزبيري والسلال فاستبدلتموها بقصص تمجد مقاتلين اسلاميين اجانب في بلدان بعيدة ( البوسنة ــ الشيشان ــ وافغانستان).
لنكن صريحين : من متى كانت المعاهد العلمية تؤدي النشيد الوطني للدولة! من متى كنتم تفتتحون مؤتمراتكم ومناسباتكم الحزبية والتنظيمية بهذه الاناشيد : في ظل راية ثورتي اعلنت جمهوريتي او برددي ايتها الدنيا نشيدي لاحقاً.
ماهي تحية العلم التي كان الطلاب يؤدونها في طوابير الصباح وكيف حولتموها الى شكل آخر!
كنتم تسخرون من علي عبدالله صالح وهو يحتفل على رأس الدولة بالاعياد الوطنية!
واليوم وانتم في المنافي تبالغون في الاحتفال بها وتهتز الدقون! لكن بعد ماذا!
والمؤكد انكم مهما احتفلتم : لم تفهموا الدروس بعد عن الدولة وهويتها الوطنية والمفاهيم المرتبطة بها: السيادة والمؤسسات والجيوش الوطنية والعودة الحثيثة الى فكرة دولة المؤسسات الضامنة لبقاءكم كحزب سياسي لأنكم ببساطة: لا زلتم تتحالفون ضدها وترفضون هذا الاتجاه لأنكم باختصار شديد: لستم حزباً سياسياً مدنياً بل حركة مسلحة!!