آخر تحديث :السبت-11 أكتوبر 2025-12:13ص

اليمن.. جغرافيا الوحدة ومقبرة مشاريع التقسيم

السبت - 11 أكتوبر 2025 - الساعة 12:02 ص

العميد/ محمد عبدالله الكميم
بقلم: العميد/ محمد عبدالله الكميم
- ارشيف الكاتب


لا يمكن النظر إلى اليمن كدولة قابلةٍ للتقسيم أو التشظي دون إدراك حجم الكارثة التي ستخلّفها تلك المغامرة على المدى القريب والبعيد، محلياً وإقليمياً ودولياً.


فاليمن ليس مجرد مساحةٍ على الخريطة، بل منظومةٌ جغرافية وسكانية واقتصادية متكاملة، متشابكة الممرات والامتدادات والمصالح، شكّلت عبر التاريخ وحدةً طبيعيةً وسياسيةً يصعب فصلها أو تجزئتها.


وكل محاولات تمزيقها بفعل الصراع على السلطة عبر القرون انتهت بضعف تلك الكيانات نفسها، بينما ظلّ اليمن الكبير هو الحقيقة الثابتة في وجه المتغيرات.


من الفارسي إلى الحبشي، ومن العثماني إلى البريطاني، ثم الإمامي، كان الطامعون يتبدّدون وتبقى اليمن.


فكل قوةٍ حاولت أن تنفرد بجزءٍ منه خارت خلال عقودٍ قليلة، لتنهض قوةٌ جديدة في جزءٍ آخر، ليبقى الصراع اليمني الداخلي مدفوعاً بجاذبية الجغرافيا نحو الوحدة، لا الانقسام.


إن فكرة التقسيم تتعارض تماماً مع طبيعة الأرض والتاريخ.

فجبال اليمن ووديانه مترابطةٌ إلى حدٍّ يجعل أي فصلٍ إداري أو سياسي مغامرةً مدمّرة، تزرع بذور صدامٍ مستقبليٍّ وتُنتج شللاً اقتصادياً واجتماعياً لا يُشفى منه الوطن لعقود.


اليمن الموحّد يمتلك سوقاً وطنية واحدة، وسيادةً قانونية واحدة، وبيئةً استثمارية متكاملة، ومجالاً حيوياً يتيح حرية التنقل والعمل والتبادل بين المحافظات، وثراءً مناخياً يجعل منه وطناً زراعياً وسياحياً متنوعاً في كل فصوله.


أما اليمن المتشظي، فهو كيان هشّ، تتوزع فيه السلطات، وتتعدد فيه الضرائب والحواجز، وتتفتت معه الثقة السياسية والاقتصادية، وتضيع فيه مزايا الدولة الواحدة.


الجغرافيا لا تعمل لصالح الانقسام،

حتى الأقاليم ذات الاختلاف الثقافي أو المذهبي أو الاقتصادي تحتاج إلى إطارٍ وطنيٍّ جامعٍ يضمن توازن المصالح ويوحّد القرار السيادي.


فالتنوع في ظل الوحدة مصدر قوة وثراء، أما في ظل التشظي، فهو شرارةُ صراعٍ دائم.


المركزية السابقة، بكل ما فيها من أخطاء، ليست مبرراً لنسف الكيان الوطني، بل حافزاً لبناء نظامٍ اتحاديٍ عادلٍ ومتوازن، يُصحّح الماضي دون أن يهدم الحاضر.


ومن يظن أن بقاء الحوثيراني في جزءٍ من الجغرافيا اليمنية يمكن أن يُنتج استقراراً، فهو يتجاهل الحقيقة الجغرافية والسياسية معاً.


فأي كيانٍ مذهبي أو مليشياوي او مناطقي داخل الجسد اليمني لن يكون سوى بؤرة اضطرابٍ دائمة، وذريعةٍ لمشاريع تفكيكٍ أخرى لا تنتهي.


في معادلات الجغرافيا السياسية، تُقاس قوة الدول بوحدتها لا بتجزئتها.


فالدولة الكبيرة الموحّدة تمتلك وزناً استراتيجياً مضاعفاً، بينما الدولة الصغيرة أو المقسّمة تظل رهينة لمراكز القوى المحيطة وممراً للتدخلات الخارجية.


إن الدعوة إلى تقسيم اليمن، تحت أي ذريعة، ليست سوى استجابةٍ غير واعيةٍ للمشاريع التي تستهدف أمن البحر الأحمر وباب المندب والعمق العربي في الجزيرة.


لأن سقوط اليمن الواحد يعني سقوط أهم جدارٍ جيوسياسي في وجه التمدد الإيراني ومطامع القوى الإقليمية.


اليمن الواحد إذن، ليس شعاراً عاطفياً، بل ضرورةٌ استراتيجية لضمان الأمن الإقليمي والتوازن الدولي في هذه المنطقة الحساسة.

أما التقسيم، فقد يمنح البعض وهماً مؤقتاً بالسلطة، لكنه يسلب الوطن تاريخه ومكانته ودوره.


ومع ذلك، أؤمن بأن النقاش حول شكل الدولة، ووحدة اليمن أو انفصاله، يجب أن يكون حقاً مشروعاً ومفتوحاً لكل اليمنيين، لكن بعد أن تُبنى الأرض الصلبة التي تقوم عليها أي دولةٍ مستقرة.


وبعد أن تُستأصل المليشيات وتُستعاد السيادة، ليأتي الحوار الوطني الشامل، بتوافقٍ يمني وإقليمي ودولي، حتى لا يتحول تقرير المصير إلى وصفةٍ جديدة لتفتيتٍ قادم أو نزاعاتٍ لا تنتهي.


وإذا كنا نتحدث عن انضمام اليمن إلى منظومة الخليج والاستفادة من هذه المنظومة العظيمة.

فكيف نفكر بتقسيمه؟

فلا يمكن أن يُبنى أي مشروعٍ أو تُرسم أي حدودٍ مستقرة طالما والحوثيراني يسيطر على شبرٍ واحدٍ من أرض اليمن،

ولو عاد إلى كهف سلمان في جبل مران، فبقاءه هناك يعني استمرار التهديد وبقاء الخطر.

ولذلك، حتى في أسوأ الاحتمالات، لن تستقر البلاد ما دام الحوثي على الأرض اليمنية.


لذلك نحن اليوم بحاجةٍ إلى إعادة هندسة المصالح الوطنية وإعادة التموضع السياسي والفكري بما ينسجم مع متطلبات المستقبل لا أثقال الماضي،

وأن نُعيد صياغة أولوياتنا على أسسٍ من الواقعية والوعي والمسؤولية،

حتى نتمكن من بناء دولةٍ يمنيةٍ قادرةٍ على تحقيق استدامة الأمن والاستقرار وضمان الرخاء والرفاه لكل اليمنيين ولأمن المنطقة والعالم، مستفيدةً من دروس تاريخها المؤلم.