واهمٌ من يظنّ أنَّ الحُبَّ بين المتزوّجين ينتهي بحكم الاعتياد، فيذوي فيهما الشغف.
فالحب الحقيقي، يا عزيزي، أكبر من كلمة غزلٍ أو رومانسيةٍ مصطنعة، إنه ميثاق الروح للروح، ومصافحة القلب للقلب.
الحب الذي يجمعنا ساقنا إلى الكمال العاطفي، ذلك الكمال الذي نجد أنفسنا فيه في كل لقاء، وفي كل سهرةٍ تتنفس فيها أرواحنا بلا حروفٍ ولا أصوات.
لأن وجودنا على وسادةٍ واحدة هو تمام العشق ومقصد الغرام من الكلام.
فقد تمَّ التلاقي، واكتمل القلب بحبِّ القلب، فما الحاجة إلى قول اللسان وقد قالت العيون كلّ ما يريد العشق أن يُفصح عنه؟
ما أحلى صمت المحبين إذا تَكاتفت الأنفاس، وتصافت القلوب بنبضٍ واحد، ففاض الكلام في الروح قبل أن يجري على اللسان.
وما كان الكلام الحلو إلا كلحنٍ يُطرب، لكنه ليس أصل المحبة ولا جوهرها.
فكم من كلمةٍ حلوةٍ قالها القائل كاذبًا، وكم من صدقٍ سكن نظرةً خجولةً أو لمسةَ يدٍ عابرة.
إنَّ الحبَّ الحقّ، كما قالت ميّ، "يسكن في مواطن الصمت أكثر مما يسكن في أحضان الكلام".
أما نحن، معشر المتزوّجين، فلنا كلماتنا التي لا يسمعها أحدٌ سوانا،
ولدينا من الرسائل ما نبعثه كلّ يومٍ إلى قلب من نحبّ ما يملأ القلب ويسكر الطير ويسحر الألباب،
حتى يصير الحبيب بعضًا من روح حبيبه، ونفسه بعضًا من أنفاس من يحب.
نعم، لسنا مجبرين على افتعال لغةٍ نتكلّف فيها التعبير عن أحاسيسنا،
فكمال المعنى يغني عن ترداد القول، ولأننا ممتلئون حبًا وعشقًا،
فإن حديثنا غالبًا ما يكون عن الجانب الذي نفتقر إليه، والذي نحتاجه ليكمل بعضنا برأيه البعض الآخر.
لذلك ترانا نتحدث عن الوطن لأننا نفتقده،
ونتحدث عن السياسة لأننا ضحاياها،
ونتحدث عن الأحزاب لأننا لعبتها،
ونتحدث عن الدين لأننا أهله وحماته،
ونتحدث عن الخرافة والكهانة والتضليل لأننا كفرنا بها.
نتحدث عن الأهل والأصحاب لأنهم عالمنا،
ونتحدث عن همومنا لأننا شركاء،
ونتحدث عن مستقبلنا لأنه غدنا المنتظر الذي نسعى إليه معًا.
أما حديث الغزل فقد قلناه،
واكتفينا بأن ختمنا على قلبينا بالحب الأبدي،
ذلك الحب الذي لا يخضع لزمنٍ ولا يتغير بمكان،
كما قال جبران: "المحبّة في الإنسان تتجدّد كالفجر، ولا تهرم كالشمس".
أحبك، لا ككلمةٍ تُقال، بل كنَبضٍ يستقرّ في أعماق الوجود.
لمياء ❤️