في كل عام، تُخرج المليشيا عتادها الثقيل إلى الشوارع كما لو أنها تستعد لمعركة فاصلة: مدرعات ومصفحات، أحزمة أمنية، ونقاط تفتيش تمتد كالسياج حول العاصمة. تقول المصادر إن التحركات هذه المرة “مكثفة وغير مسبوقة”. والسؤال البسيط الذي يسبق كل الإجابات: ممَّ تخاف سلطة تملك القوة النارية؟ من قصيدة وطنية؟ من نشيد يُذاع خلسةً؟ أم من ذاكرة لا تُقهر باسم 26 سبتمبر؟
لا يشي العتاد بكثرة إلا بشيء واحد: هواجس من حدث رمزي أكبر من الرصاص. 26 سبتمبر ليس حفلةً عابرة؛ إنه تاريخ يعيد تعريف السلطة ومعنى الدولة، لذلك تُحاول الميليشيا أن تُبدِّل المشهد: دوريات تجوب الأحياء، عيون على الأسطح، و“تعليمات” تُحاصر المدارس والجامعات، حتى لا يتحول اليوم إلى مناسبة تُذكّر الناس بما سُلب منهم.
منذ أيام، تتطابق روايات سكان صنعاء: توتر مرئي على الأرصفة، تفتيش مذلّ، ووجوه تحاول إخفاء فرحتها بالذكرى تحت قناع الحذر. كل ذلك لأن السلطة تخشى أن تتحول الذكرى إلى لغة مشتركة بين الناس؛ لغة لا تحتاج إلى لافتات، يكفيها أن تُقال همسًا لتصبح موجة.
ليست هذه الإجراءات أمنًا؛ إنها سياسة “الفراغ” التي تُراد للمدينة: فراغ من الفعاليات، من الأغاني، ومن الاجتماع البسيط في ساحة أو فناء مدرسة. حين تُصادر المساحات العامة، يصبح الصمت هو البيان الرسمي. لكن للصمت عادةً “صوت مؤجل” لا يضبطه حاجز ولا قافلة مدرعة.
تحاول المليشيا كل عام أن تُطعّم الذاكرة بروايتها البديلة: احتفالات مصممة، شعارات جاهزة، ومشرفون يُلقّنون الناس كيف يقفون ومتى يصفقون. غير أن الذاكرة ليست نشرة يمكن تعديلها كل مساء. 26 سبتمبر يعيش في تفاصيل الحياة اليومية: في حنين الكبار، وفي سرديات البيوت، وفي سؤال طفل عن معنى “الجمهورية”.
الخلاصة؟ حين تُحاصر المليشيا ذكرى وطنية بالدروع، فهي تعترف—من حيث لا تريد—بأن القوة الحقيقية ليست في فوهة البندقية، بل في إجماع شعبي لا يوقّعه أحد ويوقّع عليه الجميع. قد تُطفأ مكبرات الصوت، لكن لا أحد يملك زرًا لإطفاء ذاكرة اليمنيين. لهذا تحديدًا ترتجف بقايا الإمامة من يوم اسمه: 26 سبتمبر.