دعونا ننظر إلى الهجوم في سياق هوية المهاجم والفعل الذي أنتجه.
- من يتبنى الهجوم؟
أليسوا هم أنفسهم الذين أوصلوا الشرعية إلى حالة مريعة من الكساد والخواء والسُبات الدائم؟
أليسوا هم من جردوها من مضمونها الوطني، ومنحوها صفة شكلية بلا روح، ثم انقلبوا عليها من الداخل، تماما كما تنقلب الخلايا المريضة على الجسد الذي غذاها؟
أليسوا هم من وضعوا الشرعية في عنق الزجاجة، ثم كسروا الزجاجة عليها؟
من هم؟ إنهم مجاميع شللية عصبوية وجدوا أنفسهم وذواتهم في الخارج، وتربطهم بالشرعية علاقة طفيلية، أو لنقل أنهم أبناء علاقة غير شرعية أقامتها الشرعية في مهدها حين أفرجت عن ساقيها لمن هب ودب، في فترة كانت الشرعية نفسها واضعة قدم في السياسة وأخرى في الارتزاق، فترة كانت الشرعية فيها بحاجة ماسة للسلطة وأخرى لأتباع.
إنهم نتاج تلك المرحلة الحرجة، أجنة خرجت من رحم أنهكته التنازلات.. قبل أن تُصاب الشرعية بانقطاع الطمث السياسي.
في المقابل، من هو طارق صالح؟
هو أحد أركان الشرعية الفاعلين، وأكثر مكوناتها قابلية لاستعادة حيويتها، لهذا فإن أي هجوم لا يستهدفه لشخصه، بقدر ما هو استهداف لاحتمالات نهوض الشرعية، الاحتمالات الكامنة في وجوده. إنه استهداف لأي صحوة محتملة قد تأتي من داخل جسد الشرعية المترهل.
هجوم على فكرة التجديد في إطار رسمي متهالك، أكثر مما هو هجوم على رجل بعينه.
لنعد إلى العام 2018، بعد تحرير الساحل الغربي مباشرة، كانت التوجيهات، من الإخوة الأعداء لقطعانهم صريحة وواضحة، وتنص على تجنب مهاجمة طارق صالح بأي شكل من الأشكال.
لم يسأل أحدهم: لماذا؟ باستثناء من همس لي بالأمر، فأجبته بأن أصحابه يعملون على مبدأ تجزئة الأعداء أولاً.. في هجومهم على التحالف اختاروا الجزء الفاعل فيه.. الإمارات، وجنبوا السعودية، بينما الحقيقة أن الهجوم على الإمارات هو هجوم على التحالف الذي تقوده السعودية نفسها..!!
ثانيا، طالما بقي طارق صالح خارج الشرعية فهو لا يمثل أي خطر عليهم، لأن بوصلتهم تتجه نحو الانتقالي، الطرف الفاعل داخل معادلة الشرعية. أما طارق صالح، فكان خارجها مؤقتا، وبالتالي خارج حساباتهم التكتيكية.
اليوم تغير المشهد، طارق لم يعد خارج المعادلة وبظرف وجيز صار نائب رئيس، رجل دولة، ومشروع بناء لا يمكن تجاهله.
لذلك يُهاجم الآن...
هل يُهاجم طارق صالح كمقاومة وطنية أو كقائد عسكري؟
لا !
يُهاجم كمُنجز، فقط حين يعلن عن ولادة مشروع، وحين يفتتح طريقا أو مؤسسة، يُهاجم لأنه يمثل ما فقدوه، وقد فقدوا فكرة الدولة نفسها...!!
لهذا الهجوم على طارق صالح مبرر تماما، وهو في جوهره، ليس عداء شخصيا بل صراع بين من يرممون فكرة الدولة ومن يعيشون على أنقاضها...
وهكذا نستطع القول: يحق لمن دمروا الشرعية بالأمس، أن يهاجموا كل محاولة لإحيائها اليوم.... وسلامتكم