آخر تحديث :الإثنين-07 يوليو 2025-12:11ص

‏إلى السفير خالد بحاح: لا لتهريب العنصرية تحت لافتة "القيم الإنسانية والوطنية"

الأحد - 06 يوليو 2025 - الساعة 09:23 م

همدان العليي
بقلم: همدان العليي
- ارشيف الكاتب


قبل قليل.. انتهيت من متابعة ندوة بعنوان "من أرض الحكمة إلى آفاق النهضة"، نفذتها السفارة اليمنية في القاهرة، وتحدث فيها علي الجفري. وقد اختتمت بتوقيع مذكرة تفاهم بين السفارة اليمنية في القاهرة ومؤسسة طابة التي أسسها الجفري نفسه.

شخصيا، أثمن أي جهد يسعى لخدمة اليمنيين في المهجر، ونشر الوعي في أوساطهم. كما أثق بحرص السفير خالد بحاح ‎@KhaledBahah على خدمة اليمنيين من خلال موقعه. لكن لا بد من وقفة جادة وصادقة أمام مثل هذا النشاط وهذه الاتفاقية بين السفارة، كممثلة للدولة اليمنية، ومؤسسة طابة المعروفة بانتمائها لتيار ديني قائم على تقديس ما يسمى "آل البيت".

سعادة السفير..

نود لفت انتباهكم إلى حساسية اختيار الشركاء في مثل هذه المبادرات الشبابية والإنسانية، لاسيما أن جهة الشراكة مؤسسة دينية ذات طابع صوفي، تستند إلى قاعدة فكرية واضحة ترتبط بشكل أو بآخر بخطاب "السلالة الدينية"، الذي يعد أحد أخطر مهددات الهوية الوطنية الجامعة في اليمن اليوم.

بلا شك.. ثمة بلدان إسلامية كثيرة قد يكون للتصوف فيها بعد روحي لا يثير إشكالا مجتمعيا أو دينيا أو ثقافيا أو عسكريا، لكن في اليمن الأمر مختلف تماما. فقضية "آل البيت" و"النسب" و"السلالة" ليست مسألة فكرية أو مذهبية فحسب، كما هي في بعض البلدان العربية والإسلامية، بل قضية سياسية وتاريخية دامية، تسببت -خلال أكثر من ألف عام- وما تزال، في صراعات مريرة.

إن مؤسسة طابة التابعة للجفري -وإن بدت في ظاهرها معنية بالتصوف الأخلاقي- فإنها في جوهر خطابها تعزز المفاهيم التي يتقاطع معها المشروع الإمامي العنصري في اليمن، مثل: تقديم النسب كشرط للقيادة الروحية أو الأخلاقية وكذلك التسويق لمركزية "آل البيت" في بناء المجتمعات، وإضفاء هالة أو تقديس على شخصيات دينية تنتمي إلى السلالة.

سعادة السفير..

السفارة اليمنية تمثل كل اليمنيين بمختلف مكوناتهم الفكرية والمذهبية، وتعمل في ظرف وطني حساس وخطير. وعلينا أن نصدقكم القول بأن هذا التعاون ـ ورغم يقيننا بنواياكم الصادقة ـ يفهم عند كثير من اليمنيين على أنه محاولة لإضفاء شرعية دينية ناعمة على مشروع التفوق العرقي الذي تعاني منه اليمن اليوم. خاصة وأن الجفري صاحب باع وذراع في التسويق لفكرة تميز السلالة التي ينتمي إليها، ولا يتسع المقام هنا لذكر الأدلة على ذلك.

سعادة السفير..

أعلم أنك رجل تكنوقراط ولست مؤدلجا، وبناء على ذلك سأفترض أنك لا تسعى لتمرير أجندة مذهبية أو عرقية عبر هذه الخطوة، وأنك ترى في مؤسسة طابة جهة معتدلة ومقبولة دوليا، أو على الأقل مقبولة لدى بعض الدول العربية، وأنها تعزز بعض القيم الأخلاقية المشتركة. لكن، ما ينطبق في بعض الدول العربية والإسلامية لا ينطبق علينا في اليمن. وما تراه بعض الدول العربية مناسبا قد لا يصلح في اليمن.

لم يحدث أن دولا عربية أو إسلامية عانت وتألمت وتضررت من فكرة "آل البيت" كما تضرر اليمن. وضعنا يختلف تماما عن بقية الدول التي تتعامل مع أنشطة الجماعات الخاصة بآل البيت بأريحية. وهذا يجعلنا نقول دائما إن على الدول العربية والإسلامية أن تتفهم وضعنا في اليمن، وأن تعلم أن غالبية اليمنيين ينظرون إلى مسألة "آل البيت" كخرافة تسببت في ألف سنة من الدماء والدمار والخراب، نتيجة طبيعية للعنصرية التي تدعو إليها. وبناء على هذه الحقيقة على الجميع أن يحترم خصوصيتنا في اليمن. وعلى قادة البلاد أولا أن يفهموا هذه المسألة.

المشكلة لا تكمن فقط في مؤسسة طابة نفسها، بل في البعد الأيديولوجي غير المحسوس الذي تحمله، كونها تروج لفكرة "النقاء السلالي" و"آل البيت"، من خلال خطاب روحي وأخلاقي ناعم، لكنه يرسخ تدريجيا المفاهيم العنصرية التي توظفها الجماعة الحوثية في اليمن تحت لافتة "الزيدية"، والتي كان وما يزال الجفري يدافع عنها، لأنه بطبيعة الحال ينتمي إلى نفس السلالة التي ينتمي إليها عبدالملك الحوثي.

ضمن ما قاله الجفري في الندوة، أن الزيدية والسنة في اليمن كانوا متعايشين، وأن وجود إيران اليوم هو الذي تسبب في تغذية الخلاف. وهذا كلام غير صحيح، للأسف. فإما أن الجفري يكذب وهو يعلم، ويسعى لإقناع اليمنيين بقبول جرائم الحوثي وإرهابه، أو أنه جاهل ولم يقرأ كتب الأئمة التي توثق الحروب والجرائم التي ارتكبوها ضد اليمنيين بدوافع عرقطائفية. (وسأرد على هذا الكلام بمقال منفصل قريبا).

وبالعودة إلى مذكرة التفاهم، يمكن القول -وبكل صراحة وصدق وحرص- إن هذا توجه خطير سيثير فتنة جديدة. وقد يظن البعض أنه بهذه الخطوة يحاول الإصلاح، وإن بدت هذه الخطوة إنسانية وحيادية وأخلاقية ووطنية، لكنها في طياتها تحمل تطبيعا خفيا مع الفكر السلالي العنصري الذي عانينا منه كثيرا في اليمن، لأنه يمنح مؤسسة قائمة أصلا على تقديس "السلالة" مشروعية التوجيه الأخلاقي والروحي لليمنيين، وتأهيل آلاف الطلاب في جمهورية مصر العربية الحبيبة.

إن دخول مؤسسة من مؤسسات الدولة في شراكة دينية مع مؤسسة لطالما أثارت جدلا في اليمن -ذات غالبية لديها حساسية عالية جدا تجاه دعاوى تمييز السلالة على بقية اليمنيين- يعني تفاقم المشكلات، وتنامي الفتنة، وتصاعد النيران أكثر.. فلماذا توقع السفارة نفسها في مثل هذا الخطأ؟ لماذا تلجأ السفارة إلى مؤسسات دينية بهدف تثقيف الطلاب وإقامة دورات وورش وفعاليات كما أشار السفير؟ وإن كان ذلك ضروريا، لماذا يتم تجاوز وزارة الأوقاف والإرشاد التي تمثل اليمنيين؟

وإن كانت السفارة مضطرة إلى هذه الخطوة، فلماذا لا تشرك جهات دينية أخرى لا تؤمن بخرافة "تمييز سلالة آل البيت"؟ هناك علماء ودعاة محترمون، يحظون بإجماع ويمثلون قطاعا واسعا من اليمنيين. فلماذا الصوفية تحديدا؟ خاصة ونحن نعلم أن الجذر الفكري للصوفية هو ذاته الجذر الفكري للحوثية.

نعلم جيدا أن لدينا في مؤسسات الدولة ومواقع القرار من ينتمون للصوفية أو يؤيدونها أو معجبون بخطابها الناعم ولهم حقهم في الإعتقاد، لكن لا مجال للمجاملة هنا. نحن أمام معركة وجودية نكون فيها أو لا نكون. لا يحق لأحد أن يستخدم مؤسسات الدولة لنشر فكر يعزز العنصرية والفتن والحروب في بلادنا، حتى وإن كان أصحابه يستخدمون خطابا ناعما، ويوزعون الابتسامات في كل مكان، ويرققون أصواتهم لخداع البسطاء وبعض قيادات الدولة الذين يجهلون جذور الحرب القائمة في اليمن وأبعادها الفكرية.


خلاصة القول:

بكل حب وتقدير، ليس من الحكمة تسخير سفارات بلادنا لصالح نشر التصوف القائم على فكرة تقديس السلالة، في أوساط الجاليات اليمنية، تحت غطاء تعزيز القيم الوطنية والأخلاقية. لأن ذلك يعني، بشكل أو بآخر، استهداف المعتقدات الدينية والقيم الوطنية والثقافية التي ترفض العنصرية العرقية وتأليه وتقديس ما يسمى بـ"آل البيت" في اليمن. علينا أن لا ننسى بأن هذه المشكلة هي السبب الأول لأغلب الحروب والفتن في اليمن منذ حوالي ألف عام.


تابعوا الفيديو المرفق للتضح الصورة أكثر: