التمدّد السلفي في اليمن ليس ظاهرة جنوبية حصرًا، لكنه يتمركز بحدة أكبر في الجنوب، حيث بات يشكل وجهًا مهيمنًا في المشهد الأمني والعسكري، خصوصًا في عدن.
تحولات لا تُقرأ بمعزل عن السياق الأيديولوجي الذي يعيد تشكيل المزاج العام، ولا عن دعم إقليمي يغذي هذا التيار ويسوّغ خطابه المتشدد.
ما يجري لا يشبه الانحراف الفردي أو الممارسات الطارئة، إنما ينبئ بمشروع متكامل يتسلل إلى مفاصل الدولة، دون أن يعلن سيطرته رسميًا، وما "المَحْرَم" في هذا السياق إلا تفصيلة صغيرة جدًا.
والواقع يقول إن هذا التيار بات ممسكًا بزمام التأثير على الأرض، مستندًا إلى سردية دينية تدّعي أنها الرد "السُّنِّي" على التمدد الحوثي الزيدي، لتقدم نسخة مقابلة من التطرف، لا مشروعًا وطنيًا جامعًا.
بين شمال تحكمه سلالة إمامية لا أسوأ منها تسللت مما سُمّي خطأ "المظلومية الزيدية"، والزيدية في اليمن ظالمة لا مظلومة، وجنوب تسيطر عليه تشكيلات سلفية تستدعي نموذج كابل لا مدنيّة عدن، يجد اليمني نفسه أمام خيارين أحلاهما مر. ويتحول المجلس الانتقالي الجنوبي إلى واجهة مهترئة لمشروع عقائدي ينخره بهدوء وعمق لا يعترف بالتنوع ولا يؤمن بالدولة.
السلفية كمدرسة فقهية قد لا تكون خطرة، لكن المسألة في تحولها إلى عقيدة حكم، لتعيد بذلك -إن تمكنت- إنتاج الخراب ذاته الذي أفرزته صراعات مذهبية في دول أخرى.
عدن، الحلم المدني أو المدينة الحلم، مهددة بالانهيار القيمي والسياسي إذا ما اكتمل تمكين هذا المشروع.
والمفارقة أن من ناهض الإمامة بالأمس يفتح اليوم الباب لطغيان جديد، لا يبدّل السجن إنما السجان.
فمن ذا الذي يستبدل سجنًا بسجن، وقمعًا بقمع؟
أفيقوا يا رعاكم الله..