من القضايا التي أجدني منشغلًا بتأملها والبحث في مقارباتها التاريخية والسياسية مسألة "هوية الجنوب العربي" التي وقفتُ، وما زلت، على الضد منها بوضوح لا لبس فيه.
بالنسبة لي، الجنوب هو أولًا وأساسًا "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"؛ الاسم الذي حملته الدولة الوليدة -وللمرة الأولى- عقب الاستقلال في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، كتتويج لنضال ثورة 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، الثورة التي أنهت قرونًا من التجزئة السياسية الممثلة في 23 سلطنة وإمارة ومشيخة، إلى جانب مستعمرة عدن.
غير أنني، ولموضوعية التأمل، وجدتُ أن أكثر ما يمنح هوية ما قبل 1967، أي المسماة بـ"الجنوب العربي"، ما يُشبه السند الرمزي أو المادي يتمثل في عنصرين اثنين:
- العملة التي صُكّت باسم "مؤسسة النقد للجنوب العربي". (وضمن اتفاقية الاستقلال بالمناسبة يرد "أن ينال الجنوب العربي الاستقلال في يوم 30 نوفمبر 1967، وتنشأ في يوم الاستقلال دولة مستقلة ذات سيادة تعرف باسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية".)
- وبحر العرب، الذي تطل عليه السواحل الجنوبية، والذي يحمل اسمًا إقليميًا لا ينتسب صراحة لليمن، خلافًا لتسميات أخرى كالبحر الأحمر أو خليج عدن.
وقد دفعتني هذه التأملات الجديدة إلى مراجعة تسميات عديد الدول الأفريقية، مثل "أفريقيا الوسطى" و"جنوب أفريقيا"، إذ تُستخدم الاتجاهات الجغرافية كدلالات هوياتية لدول قائمة، ما يفتح الباب لإعادة التفكير في الأبعاد الرمزية والسياسية لمصطلح "الجنوب العربي". (علمًا أن "اليمن" هو الآخر هوية ضمن الاتجاه، بمعنى "الجنوب"، ولعل موقعه جنوب شبه الجزيرة يعني في نهاية المطاف "الجنوب العربي".)
وفي هذا الإطار، أعد حوارًا مع أحد الأكاديميين البارزين في عدن، الذي تناول في أطروحة الدكتوراه خاصته تجربة اتحاد إمارات الجنوب العربي، وهو حوار أأمل من خلاله الغوص أعمق في هذه الإشكالية المركبة: الجغرافيا والتاريخ، الدولة والثورة، الهوية والحضارة.
- غير أن أهم ما يمكن الانتصار له يمنيًا، جنوبًا تحديدًا، الانتماء ذو الهوية الثقافية لـ"عدن"، وهو ما سنقاربه في حوارية أخرى.