آخر تحديث :الأحد-21 ديسمبر 2025-06:38م
اخبار وتقارير

‏مقال ناقد موجه الى الراشد.. الانتقالي بين الواقعية الجغرافية وحق الجنوب في تقرير مصيره

‏مقال ناقد موجه الى الراشد.. الانتقالي بين الواقعية الجغرافية وحق الجنوب في تقرير مصيره
الأحد - 21 ديسمبر 2025 - 03:29 م بتوقيت عدن
- ضاحي خلفان

ينطلق المقال محلّ النقاش من مسلّمة كبرى مفادها أن الجغرافيا هي الحقيقة الوحيدة في السياسة، وأن المملكة العربية السعودية هي الفاعل الدائم الوحيد في اليمن، شماله وجنوبه. ورغم وجاهة هذه المقاربة من زاوية العلاقات الدولية، إلا أن تحويلها إلى حُكم نهائي على مصير الشعوب والمشاريع السياسية يُدخل التحليل في دائرة التبسيط المخلّ.

فالجغرافيا، وإن كانت عاملاً ضاغطاً، ليست قدراً سياسياً مغلقاً. التاريخ الحديث مليء بأمثلة دول نشأت رغم اعتراض الجغرافيا، لا بسببها. السياسة ليست فقط حدوداً وجواراً، بل أيضاً إرادة جماعية، وصراع مصالح، وتحولات دولية. والقول بأن أي مشروع سياسي في الجنوب لا يمكن أن ينجح دون “رضا الجار” يحوّل الدولة من كيان سيادي إلى وظيفة جيوسياسية، وهو منطق لم يحمِ دولاً ولم يمنع انهيارات.

أولاً: الخلط بين نقد القيادة ونفي الفكرة

يركّز المقال على أخطاء قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، ثم يذهب – ضمناً – إلى تحميل هذه الأخطاء على فكرة الاستقلال ذاتها. وهذه قفزة تحليلية غير دقيقة.

فالتاريخ السياسي يفرّق دائماً بين:

شرعية الفكرة

وكفاءة من يديرها

كثير من الدول وُلدت بعد تغيير قياداتها لا بعد التخلي عن مطالبها. وعليه، فإن تصوير قيادة “الانتقالي” كعقبة محتملة لا يعني بالضرورة أن مشروع الجنوب نفسه وهم أو خطر، بل قد يعني العكس: أن المشروع أكبر من أدواته الحالية.

ثانياً: المقارنة مع الحوثي… مغالطة سياسية

وضع المجلس الانتقالي في خانة “مشروع حوثي آخر” يُعدّ خلطاً جوهرياً بين ظاهرتين مختلفتين:

الحوثي: حركة أيديولوجية دينية، ذات مرجعية فوق وطنية، ومشروع عسكري توسعي.

الانتقالي: مكوّن سياسي جنوبي، يستند إلى قضية تاريخية، وشعور واسع بالظلم، وتمثيل اجتماعي حقيقي في مناطق الجنوب.

هذه المقارنة، حتى لو جاءت بوصفها “خطاب خصوم”، لا تخدم التحليل، بل تضع المقال في موقع الاتهام السياسي لا القراءة الموضوعية.

ثالثاً: حضرموت والمهرة… قراءة من زاوية واحدة

صحيح أن حضرموت والمهرة تمتلكان خصوصية سياسية واجتماعية، لكن تصوير أي تحرك للانتقالي في هذه المناطق على أنه “هجوم” أو “استفزاز” يتجاهل حقيقة أخرى:

أن هذه المحافظات نفسها تعيش صراع نفوذ مفتوح، وتخضع لتجاذبات إقليمية ومحلية متداخلة، وليست كيانات محايدة أو منعزلة عن مشروع الجنوب.

الخلاف مع حضرموت ليس دليلاً على خطأ فكرة الجنوب، بل دليل على غياب نموذج حكم متوافق عليه حتى الآن، وهي إشكالية لا تُحل بإلغاء المشروع، بل بتطويره سياسياً.

رابعاً: المبالغة في دور المجلس الرئاسي

يفترض المقال أن العمل داخل المجلس الرئاسي هو الطريق “الشرعي” لتحقيق أي فصل مستقبلي. لكن الواقع يُظهر أن هذا المجلس نفسه:

كيان هش

بلا سيادة حقيقية

خاضع لتوازنات خارجية

عاجز عن فرض قراراته حتى في مناطق نفوذه

وعليه، فإن مطالبة “الانتقالي” بالذوبان الكامل في إطار ثبت فشله، ثم محاسبته لأنه لا يلتزم به، هي مفارقة سياسية.

خامساً: السعودية شريك لا وصيّ

لا خلاف على أن السعودية لاعب مركزي في اليمن، لكن تحويلها إلى شرط وجود لأي مشروع جنوبي يحمل خطراً مزدوجاً:

يضعف شرعية المشروع داخلياً

ويحوّله خارجياً إلى ملف تابع لا قضية وطنية

العلاقة الصحية مع الجوار تقوم على الشراكة وضمان المصالح المتبادلة، لا على تعطيل حق تقرير المصير بانتظار الضوء الأخضر.

الخلاصة

المقال يقدّم قراءة ذكية للجغرافيا، لكنه:

يُفرط في الواقعية حتى يفرّغ السياسة من معناها

ينتقد الأدوات فينتهي إلى التشكيك في الهدف

ويحذّر من الانقسام دون الاعتراف بأن الانقسام قائم منذ 1994، لا منذ ظهور “الانتقالي”

إن مستقبل الجنوب لن يُحسم بالدبابات، ولكن بالقناعات .


* من صفحة الكاتب على إكس