تعيش مديرية المظفر في قلب مدينة تعز فوضى خانقة بسبب الأسواق العشوائية والباعة المتجولين الذين احتلوا الأرصفة والشوارع، محولين المدينة إلى متاهة مزدحمة ومشهد مشوّه لعاصمة الثقافة اليمنية، في ظل فشل متكرر للحملات الرسمية وتورط بعض المسؤولين المحليين في تغذية هذه الظاهرة مقابل مكاسب شخصية.
حملات القط والفأر.. لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد
منذ سنوات، تحاول السلطات المحلية إزالة الأسواق العشوائية وتنظيم الأرصفة، إلا أن كل حملة سرعان ما تفشل لتتحول إلى مسرحية مكررة أشبه بلعبة “القط والفأر”، حيث يختفي الباعة ليوم أو يومين، ثم يعودون بأعداد أكبر إلى الشوارع المكتظة.
وتنتشر هذه الأسواق بشكل لافت في مديرية المظفر، لاسيما في شارع جمال وشارع التحرير وسوق المركزي، حيث تغلق البسطات ممرات السيارات والمشاة وتربك الحركة المرورية، بينما تغيب أي حلول بديلة حقيقية للباعة الذين يعيشون على قوت يومهم.
ورغم توجيهات محافظ تعز نبيل شمسان المتكررة بضرورة إنهاء الظاهرة المزعجة والخطيرة لما لها من تبعات أمنية وبيئية، إلا أن غياب التنفيذ الجاد والرقابة الصارمة جعل توجيهاته تصطدم بواقع أكثر تعقيدًا
الواقع الميداني: ازدحام، فوضى، وابتزاز
خلال جولة ميدانية صباح الخميس في شارع جمال، رصد فريقنا إطلاق حملة جديدة لإزالة العشوائيات، تباينت حولها آراء المواطنين بين داعم ومتحفظ.
يقول رشاد مهيوب: الأسواق العشوائية تخنق الشوارع وتسبب فوضى مرورية، لكن لا نريد طرد الناس قبل إيجاد بدائل حقيقية لهم.
أما أحمد محمد فيضيف بغضب: نُحبس في سياراتنا بالساعات بسبب البسطات، لا يمكن أن تستمر هذه الفوضى بهذا الشكل.
في المقابل، أشار زكريا الصبري إلى أن الفشل الحقيقي ليس في الباعة بل في صندوق النظافة ومكتب الأشغال اللذين يتركان الشوارع للعبث دون تنظيم.
صوت الباعة: نبحث عن لقمة العيش لا الفوضى
يقول محمد سعيد، أحد باعة سوق التحرير: لسنا مخربين، نحن نكافح لنعيش. لو وُجدت أماكن مخصصة لنا لما اضطررنا لاحتلال الأرصفة.
ويضيف آخر: نريد التنظيم، لكن نرفض الإهانة والابتزاز الذي نتعرض له من بعض الموظفين أثناء الحملات.
رد مكتب الأشغال: لا تأجير رسمي ولا جبايات
مصدر مسؤول في مكتب الأشغال أوضح أنه لا يوجد أي تأجير رسمي للأرصفة أو الشوارع، وأن المكتب لا يتحصل أي رسوم مالية من الباعة المخالفين، مشيرًا إلى أن احتجاز البسطات يتم بإشراف قانوني وينتهي عادة بتعهد خطي فقط.
وأكد أن “بعض الموظفين المحليين يسيئون استخدام صلاحياتهم” لأغراض شخصية، فيما يُسمح بالتأجير المؤقت فقط خلال المواسم والأعياد وتذهب عائداته لخزينة الدولة.
تجارة البسطات... شبكة فساد تدر الملايين
التحقيق الميداني كشف أن الأسواق العشوائية تحولت إلى تجارة مربحة لشبكات نافذة، تستغل معاناة الباعة البسطاء لتجني عوائد مالية ضخمة عبر فرض إتاوات وجبايات غير قانونية، في ظل تغاضٍ رسمي متعمد من بعض المسؤولين المحليين.
ويؤكد ناشطون أن تداخل الصلاحيات، وغياب التخطيط الحضري، وفشل الحملات السابقة جعل من العشوائيات قنبلة موقوتة تهدد مستقبل المدينة وبيئتها وأمنها الاجتماعي.
النهاية المرة: تعز تدفع ثمن الفوضى والفساد
بين حاجة المواطن للعيش وعجز الدولة عن فرض النظام، تبقى شوارع تعز مختنقة بـ “الشارع المغصوب”، حيث تتحول كل حملة تنظيم إلى أزمة جديدة، وكل وعود رسمية إلى سراب.
تعز التي دفعت ثمن الحرب، تدفع اليوم ثمن الفوضى والفساد، وما لم تتحرك السلطات بجدية لوضع خطة حضرية عادلة، فإن مظفر تعز ستظل تختنق كل يوم أكثر، بين مطرقة الفقر وسندان الفساد المؤسسي.