آخر تحديث :الجمعة-14 نوفمبر 2025-02:52ص

المبعوث الأممي إلى اليمن.. حضور بلا أثر

الجمعة - 14 نوفمبر 2025 - الساعة 01:57 ص

خالد علاية
بقلم: خالد علاية
- ارشيف الكاتب


تحول المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، بمرور الوقت، من رمزٍ للأمل في إنهاء الحرب إلى مجرد موظفٍ دبلوماسي يمارس طقوس الزيارات البروتوكولية، يجمع بعض المعلومات ويعيد صياغتها في تقارير شهرية تُرفع إلى مجلس الأمن دون أي نتيجة ملموسة على الأرض. فالمهمة التي كان يُفترض أن تحرك عجلة السلام وتكسر الجمود السياسي، باتت اليوم تدور في دائرة مفرغة من الاجتماعات الشكلية والبيانات المكرّرة.


منذ تعيينه، لم يقدّم المبعوث رؤية واضحة لإنهاء الحرب أو خطة عملية تفرض على الأطراف احترام التزاماتهم الدولية. اكتفى بلعب دور الوسيط الصامت الذي يسعى إلى إرضاء الجميع، حتى فقد تأثيره على الجميع. فالزيارات المتكررة إلى العواصم الإقليمية لم تُثمر سوى صور تذكارية وبيانات إنشائية تتحدث عن “تقدم طفيف” لا يلمسه أحد في الواقع.


لقد تحوّل دور المبعوث الأممي إلى ما يشبه “دبلوماسية التهدئة المؤقتة”، يحرص على تمديد الهدن لا على بناء السلام، ويكتفي بإدارة الوقت بدل إدارة الأزمة. وما بين بيان وآخر، يزداد الوضع الإنساني سوءًا، وتستمر مليشيا الحوثي في خرق القوانين الدولية وارتكاب الانتهاكات، دون أن يصدر عن المبعوث سوى تصريحات فضفاضة تخلو من أي موقف حازم أو تسمية واضحة للجهة المعرقلة.


أما التقارير التي يرفعها إلى مجلس الأمن، فقد فقدت قيمتها السياسية وأصبحت مجرد وثائق أرشيفية تكرّر ذات العبارات التي استخدمها من سبقوه: الحرب مستمرة، الاقتصاد منهار، والانقسام السياسي يتعمق. لا جديد سوى لغة دبلوماسية باردة تكتفي بوصف المأساة دون السعي إلى تغييرها.


اليمنيون يتساءلون اليوم: ما جدوى وجود مبعوث أممي لا يملك الجرأة على تسمية من يعرقل السلام؟ كيف يمكن بناء ثقة في عملية سياسية تُدار من الخارج على إيقاع المجاملات الدولية؟ لقد بات واضحًا أن الحياد الذي يتذرع به المبعوث ليس حيادًا بين أطراف متحاربة، بل حيادًا عن الحقيقة نفسها، وهو ما جعله شاهدًا على استمرار الحرب لا شريكًا في إنهائها.


اليمن لا تحتاج إلى مبعوث يدوّن الملاحظات ويصدر البيانات الدبلوماسية، بل إلى مبعوث يمتلك الإرادة والجرأة لمواجهة من يقوّضون السلام، ويفعل أدوات الضغط وفق قرارات مجلس الأمن لا وفق التوازنات السياسية. فالدبلوماسية التي لا تنحاز للعدالة والواقع، تتحول إلى غطاءٍ لاستمرار المعاناة.


لقد صار المبعوث الأممي، بكل أسف، عنوانًا متكررًا في نشرات الأخبار، يتحدث باسم الأمم المتحدة أكثر مما يتحدث باسم اليمن. وبينما يستمر في رحلاته وجولاته الشكلية، يبقى ملايين اليمنيين تحت وطأة الحرب والجوع والانقسام، ينتظرون سلامًا لا يأتي، ومبعوثًا لا يفعل سوى تسجيل المأساة في تقرير جديد.