آخر تحديث :السبت-08 نوفمبر 2025-03:57م
اخبار وتقارير

"تسييس القضاء" في صنعاء.. انفصال حوثي بطابع طائفي

"تسييس القضاء" في صنعاء.. انفصال حوثي بطابع طائفي
السبت - 08 نوفمبر 2025 - 11:47 ص بتوقيت عدن
- صنعاء، نافذة اليمن:

تصاعدت موجة من الانتقادات في الأوساط الحقوقية والقضائية بعد صدور قرار جديد من هيئة التفتيش القضائي التابعة لمجلس القضاء الأعلى في صنعاء –الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي– يقضي بتوزيع خريجين من دورات تأهيلية لما يسمى "علماء الشريعة" للتدريب في عدد من المحاكم تمهيدًا لتعيينهم في السلك القضائي، في خطوة وُصفت بأنها "حلقة جديدة في مسلسل تسييس واختطاف المؤسسات القضائية".


ووفقًا للقرار، جرى توزيع أكثر من 83 خريجًا من هذه الدورات، التي تستند إلى خلفيات مذهبية وفكرية محددة، استعدادًا لإحلالهم محل القضاة المهنيين من خريجي المعهد العالي للقضاء، وهي مؤسسة علمية حكومية عريقة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري.


ويأتي هذا القرار بعد عام من تمرير الحوثيين ما سُمّي "مشروع تعديل قانون السلطة القضائية" عبر مجلس النواب غير المعترف به في صنعاء، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "انفصال قضائي بطابع سياسي وطائفي يشبه تجربة إيران في إعادة هندسة النظام القضائي".


كما يتزامن القرار مع سلسلة من التعديلات التي أقرتها الجماعة منذ عام 2021، أبرزها ما عُرف بـ"تسريع إجراءات التقاضي" واعتماد تحقيقات الشرطة مباشرة أمام المحاكم دون إعادة تحقيق النيابات، وهي إجراءات اعتبرها قانونيون "تحويلًا للمحاكم إلى أجهزة أمنية وأدوات طوارئ خاضعة لإملاءات المليشيا".


صراع النفوذ داخل العائلة الحوثية


منذ انقلابها على الدولة اليمنية أواخر عام 2014، سعت جماعة الحوثي إلى التغلغل في جميع مفاصل القضاء، غير أن تلك المساعي اصطدمت بخلافات داخلية بين أجنحة العائلة الحوثية.


وبحسب مصادر قضائية، فإن زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي أحكم قبضته على السلطة القضائية العام الماضي بعد سيطرته على "المحكمة الجزائية المتخصصة" وفروعها، بينما يحتفظ نجل عمه محمد علي الحوثي بإدارة ما يسمى "المنظومة العدلية"، في حين أن عبدالكريم الحوثي –عم الزعيم– يدير "الشرطة القضائية" التي أنشأها عام 2021 لتكون ذراعًا تنفيذية داخل المنظومة العدلية الجديدة.


قضاة ومحامون وحقوقيون اعتبروا القرار الجديد "مذبحة بحق القضاة الحقيقيين" وإمعانًا في تدمير ما تبقى من استقلال القضاء. وقال وكيل وزارة العدل في الحكومة الشرعية فيصل المجيدي إن "القضاء في مناطق الحوثيين لم يعد قضاءً ولا قانونًا، بل منظومة دينية طائفية يديرها معمّمون يجهلون أبسط مبادئ القانون".


وأضاف أن "القرار الأخير يأتي امتدادًا لعملية منظمة لإعادة هندسة الجهاز القضائي، بدأت باستبدال أعضاء مجلس القضاء الأعلى بعناصر عقائدية، والإطاحة بقضاة المحكمة العليا وهيئة التفتيش القضائي والنيابة العامة، وصولًا إلى إحلال كوادر دينية محل القضاة المتخصصين".


منظومة عدلية مؤدلجة


وفي السياق نفسه، أصدر المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) بيانًا قال فيه إن إحلال 83 شخصًا في كشف قضائي جديد "يمهّد لتعيينات أيديولوجية داخل المحاكم الخاضعة للجماعة المدعومة من إيران"، معتبرًا أن ذلك "يرسّخ نمطًا ممنهجًا لتقويض الحياد القضائي وتحويل المحاكم إلى ساحة تدريب عقائدي تحت غطاء التأهيل المهني".


وأكد المركز أن هذا الإجراء لا يمثل مجرد خطأ إداري، بل "إعادة هندسة ممنهجة للبنية القضائية في مناطق سيطرة الحوثيين، وإقحام عناصر مؤدلجة في صميم مؤسسة يُفترض أن تكون محايدة ومستقلة".


وشدد البيان على أن الخطوة الحوثية "تقوّض مبدأ الفصل بين السلطات وتنتهك جوهر استقلال القضاء الذي كفله الدستور اليمني وقانون السلطة القضائية والمواثيق الدولية، ولا سيما المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء".


ويرى مراقبون أن هذه التطورات تؤكد "توجهًا ممنهجًا لدى جماعة الحوثي لتحويل القضاء إلى أداة سياسية وأمنية تستخدمها لتصفية الخصوم وتثبيت أيديولوجيتها في مفاصل الدولة"، محذرين من أن استمرار هذا النهج "ينذر بانهيار شامل لمنظومة العدالة في مناطق سيطرة الجماعة، ويقضي على ما تبقى من الثقة في القضاء كمؤسسة وطنية محايدة".