آخر تحديث :السبت-08 نوفمبر 2025-12:59ص

العلم يقف خاشعا امام الدماغ البشري

السبت - 08 نوفمبر 2025 - الساعة 12:53 ص

مروان نبيل
بقلم: مروان نبيل
- ارشيف الكاتب


لطالما استوقفتني بشيء من الذهول والرهبة ،الالية التي يعمل بها الدماغ البشري وكيف تنشأ فيه الفكرة من العدم

فمنذ فجر العلم الحديث، يحاول الإنسان أن يفهم ذاته، وأن يصنع آلة تضاهيه ذكاءً وقدرة. ومع كل إنجاز تكنولوجي مذهل من الحواسيب العملاقة إلى الروبوتات الذكية مثل "تسلا أوبتمس" يظلّ الدماغ البشري لغزًا يقف العلم أمامه مبهورًا، عاجزًا عن الإحاطة إلا بسطح بسيط من أعماقه الهائلة.


الدماغ البشري يحتوي على نحو ٨٦ مليار خلية عصبية، وكل خلية يمكن أن تتصل بعشرة آلاف خلية أخرى عبر نقاط تشابك كهربائية تُعرف بالـ"سينابسيس"، ما يمنح الدماغ أكثر من مئة تريليون وصلة عصبية. هذه الشبكة المذهلة تجعل قدرته على المعالجة والمقارنة والتعلّم لا مثيل لها في أي منظومة صناعية أو رقمية معروفة.


وللمقارنة، فإن أكبر الحواسيب الفائقة اليوم مثل Fugaku الياباني أو Frontier الأمريكي تنفذ نحو 10^18 عملية في الثانية، وهي سرعة مذهلة، لكنها "صلبة" وخالية من المرونة العصبية. أما الدماغ البشري، فهو لا يكتفي بسرعة الحساب، بل يمتاز بالقدرة على **التكيّف والتعلّم والتخيل**، أي تحويل التجربة إلى معرفة، والمعرفة إلى سلوك.


في عام 2013، أطلقت أوروبا مشروع “Human Brain Project” بميزانية تجاوزت المليار يورو، لمحاولة بناء نموذج رقمي يحاكي دماغ الإنسان. بعد عشر سنوات من الأبحاث الفائقة، لم يتمكن المشروع سوى من محاكاة بضعة مليمترات مكعبة من القشرة الدماغية. أي أن ما وصل إليه العلم حتى الآن لا يتجاوز تقريبًا فهم نقطة من محيط لا نهاية له.


الروبوتات الحديثة مثل Tesla Optimus تمثّل ذروة ما وصلت إليه الهندسة العصبية والذكاء الاصطناعي. فهي تستطيع المشي والتوازن والتقاط الأشياء والتعرّف على الأشكال، لكن هذه القدرات ما زالت "ميكانيكية" — تُنفَّذ بالأوامر، وتفتقر إلى الإبداع أو الحدس أو ما يسمّيه العلماء “الوعي السياقي”. فالروبوت يدرك الصورة لكنه لا يفهم معناها، يعرف الشيء لكنه لا يشعر به.


الدماغ البشري وحده قادر على الجمع بين المعلومة والعاطفة ، بين المنطق والخيال ، بين الذاكرة والتوقع وهذه التداخلات الدقيقة هي ما تصنع الوعي، والوعي هو ما يجعل الإنسان يفكّر في الروبوت نفسه، ويتساءل عن مصيره.


العلم اليوم لم يصل إلا إلى حدود ضيقة من قدرات الدماغ يعرف كيف تنتقل الإشارة العصبية، لكنه لا يعرف كيف تتحول إلى "فكرة". يعرف مناطق الذاكرة، لكنه لا يفهم كيف تتشكل الذكرى. يعرف أن هناك كهرباء وكيمياء، لكنه لا يدرك بعد كيف تنبثق من ذلك روح الإنسان وشعوره ووعيه بذاته.

لهذا، حين نقارن بين الدماغ والآلة، ندرك أن الفرق ليس في القدرة الحسابية أو سرعة المعالجة، بل في طبيعة الوجود ذاته. الآلة تُقلّد، أما الإنسان فيُبدع. الآلة تُبرمج، أما الإنسان فيحلم.

وبين الحلم والبرمجة، ستظل هناك فجوة لا يسدها إلا شيء واحد: سرّ الحياة الكامن في الدماغ البشري، والذي يبدو أن العلم ما زال يقف أمامه خاشعًا، لا مكتشفًا.