لم يعد كثيرٌ من عُقّال الحارات في مدينة تعز يقومون بدورهم المجتمعي كما كان في الماضي، حين كان “عاقل الحارة” الأب الروحي للسكان، وملاذهم في حل الخلافات اليومية دون قهر أو تسلّط، بل أصبح بعضهم اليوم — بحسب شكاوى الأهالي — أدوات لزرع الفتنة والجباية والوشاية والتجسس، وعوناً للفساد والإفساد والظلم.
يقول مواطنون إن وظيفة “عاقل الحارة” التي كانت يوماً عنواناً للهيبة والاحترام، تحولت لدى بعض العقال إلى وسيلة لاستعراض النفوذ على الضعفاء، وتبرير نهب المساعدات الإغاثية الدولية، بل وممارسة الابتزاز والسمسرة والرشوة تحت غطاء المنصب.
ويضيف أحد سكان المدينة: “كان العاقل في الماضي صاحب مكانة اجتماعية مرموقة، يجمع الناس في ديوانه لحل الخلافات البسيطة بين الجيران، أمّا اليوم فقد صار العاقل جاسوساً مسلطاً على الحي، ينقل تحركات الناس، ويتربص بمن ينتقد السلطة أو يرفض الانصياع له”.
اتهامات بالوشاية والاقتحامات
يروي المواطن (ح.ع – 40 عاماً) حادثةً تعكس انحراف بعض العقال عن مهامهم الأصلية، قائلاً: “تشاجرت مع أبناء العاقل بعدما منعوني من تعبئة دبتين ماء من السبيل، فهددتهم بالشكوى. بعد ساعات، فوجئت بأربعة مسلحين بلباس عسكري يقتحمون منزلي ويأخذونني إلى قسم الشرطة بتهمة التحريض، بناءً على وشاية من العاقل نفسه. بقيت في السجن ثمانية أيام قبل أن يفرجوا عني بتعهد خطي”.
ويؤكد (ح.ع) أن مثل هذه الممارسات باتت متكررة في أحياء عدة، مطالباً مساعد مدير شرطة تعز لشؤون العقال بالتدخل العاجل واستبدال العقال الفاسدين وإنهاء معاناة الأهالي من تسلطهم.
من توزيع الغاز إلى اقتحام المنازل
بحسب اللوائح الرسمية، يفترض أن تقتصر مهام العقال على الأعمال الإدارية البسيطة مثل معرفة سكان الحي والوافدين، والتعريف بهم أمام الجهات الحكومية. إلا أن الواقع تغيّر، فباتت مهامهم تمتد إلى توزيع الغاز والمساعدات الإغاثية، وحتى شرعنة اقتحام المنازل تحت ذرائع “أوامر قهرية” مشبوهة، وهو ما اعتبره الأهالي تجاوزاً خطيراً للسلطة.
الشرطة… من الحماية إلى الابتزاز
ولا يقف الأمر عند حدود العقال، فشكاوى المواطنين تمتد إلى مراكز الشرطة التي يفترض أن تكون ملاذاً آمناً، لكنها — وفق روايات عديدة — تحولت إلى بؤر ابتزاز وفساد إداري.
يقول صاحب متجر لقطع الغيار إنه قصد مركز الشرطة بعد تعرض متجره للسرقة، لكنه تفاجأ بمطالب مالية متكررة: “كاتب المحضر طلب مني مبلغاً مقابل كتابة البلاغ، والمجموعة الميدانية طلبت مبلغاً آخر لتعبئة وقود الطقم الأمني. دفعت في النهاية قرابة 290 ألف ريال، وإلا لما تحرك أحد في قضيتي".
فضيحة جديدة في قسم الشرطة
وفي حادثة أخرى أثارت غضب الأهالي، اتُّهم مدير أحد أقسام الشرطة في تعز بإطلاق سراح متهمين اعتدوا بالضرب على ابنة أحد المعلمين، رغم وضوح الجريمة وثبوت الأدلة.
يقول الأستاذ فيصل، والد الفتاة المعتدى عليها: “تقدّمت ببلاغ رسمي والتزمت بالقانون، لكنني فوجئت بتواطؤ مدير القسم الذي استخدم سلطته لتبرير الجريمة، ممارساً جبروته بقوة (الميري) ضد المواطنين المستضعفين".
ويضيف: “يتحدثون عن دولة الحق والقانون، بينما هم أول من يدوس على القانون باسم القانون. عن أي عدل يتحدث هؤلاء؟”.
بين الأمس واليوم… غابت القدوة وحلّ الخوف
بين صورة “عاقل الأمس” الذي كان رمزاً للمروءة والاحترام، وواقع “عاقل اليوم” الذي تحول لدى البعض إلى رمزٍ للبطش والفساد والجباية، يتجلى حجم الانهيار القيمي والإداري الذي يعيشه الشارع اليمني.
فما بين عقال متسلطين وشرطة مرتشية، لم يعد المواطن يجد من يلجأ إليه… سوى الشكوى إلى الله.