تشهد محافظة حضرموت اليمنية تحولات متسارعة تجعل مستقبلها مرهونًا بمعادلة معقدة تجمع بين الثروة النفطية المتزايدة، والامتداد القبلي المتجذر، والتجاذبات السياسية الإقليمية والدولية. وفي ورقة بحثية صادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، أعدتها الباحثة د. رحيمة عبدالرحيم، يتضح أن حضرموت تقف اليوم عند مفترق طرق بالغ الحساسية، إذ تتحول إلى ساحة تنافس مفتوح بين قوى الداخل ووكلاء الخارج، مدفوعة بأهمية موقعها الجغرافي وثرواتها النفطية الهائلة.
تشير الدراسة إلى أن حضرموت تمثل العمود الفقري للاقتصاد اليمني بفضل احتضانها أهم الحقول النفطية، وعلى رأسها حوض المسيلة الذي يُعد من أبرز مناطق الإنتاج منذ مطلع التسعينيات، ويرتبط بميناء الضبّة النفطي عبر أنبوب تصدير يبلغ طوله نحو 130 كيلومترًا. وتكشف الورقة عن وجود عشرات القطاعات النفطية المنتجة أو قيد الاستكشاف، مع تقديرات رسمية تشير إلى احتياطات قد تصل إلى 50 مليار برميل. هذا الثراء الطبيعي جعل من حضرموت مركز استقطاب لشركات النفط العالمية، وأيضًا هدفًا للتنافس السياسي والأمني.
لا تقل البنية القبلية أهمية عن الثروة النفطية. فالقبائل، بحسب الورقة، تتحكم في مسارات القرار المحلي وتشكل حاجزًا أو جسرًا أمام مشاريع الدولة أو الترتيبات الإقليمية. وتبرز أحداث 12 أبريل 2025 كأحدث مثال، حين دعا وكيل أول المحافظة، عمرو بن حبريش، لاجتماع قبلي في “الهضبة” خرج بجملة من البنود أبرزها المطالبة بـ"حكم ذاتي" وتشكيل قوات خاصة لحماية حضرموت. غير أن قبائل أخرى سارعت لرفض التفرد بالقرار، مؤكدة أن حضرموت لكل أبنائها ، وهو ما يعكس توازنات دقيقة بين الطموح المحلي والهاجس الوطني.
توضح الورقة أن الأهمية الجيوسياسية لحضرموت جعلتها ساحة لتقاطع مصالح إقليمية ودولية. فدولة قطر، وفق الدراسة، وظفت أدواتها الإعلامية والإنسانية لتعزيز نفوذها، بينما سعت تركيا إلى التغلغل عبر روابط دينية وثقافية، مستفيدة من البيئة الصوفية الحضرميّة. هذه التحركات تتقاطع مع الهواجس السعودية والعُمانية بشأن أمن البحر العربي وخطوط الملاحة الدولية، لتصبح حضرموت محورًا في صراع نفوذ يتجاوز حدودها.
وتحذر مؤسسة اليوم الثامن من أن التحدي الأكبر أمام حضرموت يكمن في كيفية إدارة مواردها النفطية بشفافية، وبناء منظومة أمنية تحمي الحقول وخطوط التصدير، إلى جانب ضرورة تثبيت توافق قبلي يضمن تمثيلًا عادلًا لكل المكونات بعيدًا عن الاستقطاب السياسي أو التوظيف الخارجي. وتخلص الورقة إلى أن مستقبل حضرموت سيظل مرهونًا بقدرتها على صياغة معادلة داخلية متوازنة، تعزز التنمية وتحد من استدعاء وكلاء الخارج في معركة الثروة والقرار .
بهذه المعطيات، تبدو حضرموت أمام استحقاق تاريخي: إما أن تنجح في تحويل ثرواتها وموقعها الجغرافي إلى رافعة تنموية مستقرة، أو تتحول إلى بؤرة صراع طويل يفتح أبوابها لتجاذبات لا تقف عند حدود اليمن.