كشفت مصادر محلية وخبراء في التراث اليمني عن محاولات حكومية لتكتم المعلومات بشأن استعادة عدد من القطع الأثرية اليمنية النادرة، بعد أن تم تهريبها وبيعها في الخارج عبر شبكات تهريب دولية. وقد تمكنت السلطات الفرنسية، في 14 نوفمبر 2024، من إعادة 16 قطعة أثرية إلى اليمن، إلا أن وزارة الثقافة اليمنية وهيئة الآثار والمتحاف لم تكشف عن هذا الإنجاز للجمهور إلا بعد مرور نحو عام، ما أثار استياء واسعاً بين الأكاديميين والمهتمين بالتراث.
وأكد الباحث المتخصص في الآثار اليمنية عبدالله محسن، عبر منشور على صفحته في "فيسبوك"، أن الحكومة لم تقدم أي جهد ملموس لدعم الملف أو متابعة الإجراءات الفنية والمادية لاستكمال إعادة القطع الأخرى المنهوبة. وقال محسن: "بعد ما يقارب العام من التكتم على إعادتها لليمن، وبعد أيام من اضطرارنا للإعلان، معمر الإرياني أخيراً يعترف باستعادة 16 قطعة أثرية."
وأضاف محسن أن وزارة الثقافة لم تبذل سوى زيارة واحدة لفرنسا بعد تزويدها ووكالة "اليونسكو" بملف فني لكل قطعة، دون تقديم أي دعم مالي أو فني من الجهات الرسمية، مؤكداً أن هذا الحدث يمثل انتصاراً للشعب اليمني في استرداد تراثه المنهوب، لكنه يثير التساؤلات حول جدية الحكومة في متابعة بقية القضايا العالقة المتعلقة بالآثار اليمنية في الخارج.
وأكد الباحث أن التكتم الحكومي على مثل هذه العمليات يعكس ضعف الشفافية والإدارة في المؤسسات الرسمية المعنية بالتراث، ويفتح المجال أمام التساؤل حول أسباب إخفاء المعلومات عن الرأي العام لمدة عام كامل، في حين أن الإعلان المبكر كان يمكن أن يعزز الثقة في قدرة الدولة على حماية وتأمين إرث اليمن الحضاري.
وأشار محسن إلى أن هناك واجباً وطنياً وأخلاقياً على الحكومة لمواصلة جهود استعادة الآثار المنهوبة وتوفير الدعم الفني والمادي المطلوب للهيئات المختصة، مشدداً على أن استمرار التخاذل والهروب من المسؤولية يعرّض التراث اليمني لمخاطر أكبر على المستويين المحلي والدولي.
ويعتبر هذا الحادث مؤشراً على التحديات التي تواجه حماية التراث اليمني، خاصة في ظل استمرار عمليات التهريب المنظمة التي تستهدف المواقع الأثرية في مختلف المحافظات، وتهدد آلاف القطع النادرة التي تمثل ذاكرة الحضارات اليمنية القديمة، من سبأ ومعين وحِمير وحتى العصور الإسلامية، وتؤكد الحاجة الملحّة لتفعيل أجهزة الرقابة وإجراءات الاسترداد الدولية.
ونبه محسن إلى أن أي تقاعس حكومي مستقبلي في هذا الملف قد يضاعف صعوبة استعادة الآثار اليمنية المنتشرة حول العالم، ويضعف موقع اليمن على خارطة التراث العالمي، مؤكداً أن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تحتم على الدولة الالتزام الكامل بحماية هذا الإرث وتعزيز دوره في تعزيز الهوية الوطنية.