عاشت مدينة تعز عصر الإثنين، لحظة اختلطت فيها دموع الألم بدموع الفرح، إذ شهدت هطول أمطارٍ متوسطة، وصفت بأنها "أمطار خير وبركة"، بعثت الأمل في قلوب السكان وسط أزمة مياه غير مسبوقة تعصف بالمدينة منذ أكثر من شهرين.
وغمرت مشاهد الفرحة شوارع تعز، حيث خرج المواطنون من منازلهم أطفالاً وكباراً يلعبون تحت زخات المطر، واغتنم كثيرون الفرصة للاغتسال وتعبئة ما استطاعوا من الأواني المنزلية، في ظل غياب مياه الشرب وارتفاع أسعار صهاريج المياه إلى أرقام جنونية.
ووصفت هذه الأمطار بأنها بمثابة "هدية من السماء"، بعدما عجزت الأرض والسلطات عن توفير قطرة ماء. وقال مواطنون إن هذه الزخات أحيت الأمل بانفراجة قريبة، ورفعوا أكفّ الدعاء بأن يستمر هطول الغيث ليخفف وطأة العطش والجفاف.
وتعيش مدينة تعز منذ أسابيع كارثة مياه خانقة، دفعت النساء والأطفال إلى الاصطفاف في طوابير طويلة لساعات، بحثاً عن ماء للشرب أو الاستعمال المنزلي، في أزمة تفجّرت نتيجة الحصار الحوثي المتواصل منذ 2015، والذي شمل منع تدفق المياه من الحقول الرئيسية شمال شرق المدينة، ضمن سياسة "العقاب الجماعي".
ورغم صمود الأهالي لنحو عقد، تفاقمت الأزمة مؤخرًا بفعل الفساد الإداري والفني داخل مؤسسات الدولة، ما جعل تشغيل الآبار في الضباب وشارع الثلاثين شبه مستحيل، وأتاح للمتنفذين والمتاجرين بالأزمة التحكم بمصادر المياه ورفع أسعارها بشكل جنوني.
ووصل سعر صهريج الماء (5 آلاف لتر) إلى أكثر من 120 ألف ريال يمني (نحو 42 دولارًا) بعد أن كان لا يتجاوز 24 ألف ريال. كما ارتفع سعر جالون المياه المحلاة (20 لتراً) من 200 ريال إلى أكثر من 2000 ريال، مما زاد من معاناة آلاف الأسر الفقيرة.
وفي ظل هذه المأساة، تصاعدت الدعوات الشعبية لكسر الحصار الحوثي، واعتبار تحرير حقول المياه معركة إنسانية لا تحتمل التأجيل، وسط تجاهل مليشيا الحوثي للمساعي الأممية بإعادة ضخ المياه من الحقول التي تسيطر عليها.
ودعا ناشطون المجلس الرئاسي إلى سرعة التنسيق مع الشركاء الإنسانيين لتنفيذ مشاريع استراتيجية، أبرزها مشروع تحلية مياه البحر، ومشروع مياه "طالوق" الذي سبق وأُعلن عنه نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح في عام 2023، باعتباره أملًا استراتيجيًا لإنقاذ تعز من العطش القاتل.
وفيما ينتظر السكان حلولاً ملموسة، جاءت أمطار اليوم لتذكر الجميع بأن السماء أحنّ من الأرض، وأن تعز تستحق الحياة، لا المزيد من الصمت.