تحوّلت بعض المجالس النسائية الخاصة في محافظة تعز إلى ظاهرة اجتماعية مثيرة للجدل، باتت تجمع بين مضغ القات، وتدخين الشيشة، وتبادل أسرار الحياة الزوجية، والنميمة، والخوض في السياسة، بل وحتى التفاخر والتباهي عبر وسائل التواصل، خصوصًا في حالات الـ«واتس أب».
وباتت هذه الجلسات تشكّل طقوسًا يومية أو أسبوعية للعديد من النساء، تُحضّر لها بكل عناية، وتُعتبر بالنسبة للبعض مساحة للترفيه والتواصل، بينما يراها آخرون بيئةً فاسدةً تدفع بالمجتمع إلى الهاوية.
القات والشيشة.. طقوس تتباهى بها النساء
حنان، موظفة في القطاع الخاص، تقول إن مجلس القات النسائي أصبح عادةً لا يمكن الاستغناء عنها. "نلتقي في منزل صديقتنا التي تستضيفنا أسبوعيًا، وهي شابة متزوجة ولديها طفلان وزوجها مغترب في السعودية. تقوم بتحضير الشيشة والقات، وتتكفل أحيانًا بشرائه من راتب زوجها".
وتضيف حنان أن المجالس تضجّ بالمرح والأحاديث، وقد يتم تأجيل دفع تكاليف القات إلى حين صرف الرواتب.
"فضائح أسرّة".. وغياب الحوار الأسري
في المقابل، ترى أماني، ربة بيت، أن هذه الجلسات باتت تهدد كيان الأسرة، خصوصًا عندما تتحول إلى منبر لـ"فضح الأسرار الزوجية"، والتحدث عن أدق تفاصيل الحياة الحميمية.
"حين تصبح أسرارك مشاعًا بين الجارات والصديقات، فاعلمي أنك فقدتِ حرمة بيتكِ"، تقول أماني، وتحمّل النساء مسؤولية تفكك كثير من العلاقات بسبب "ثرثرة لا تفرق بين الخاص والعام".
شيشة وسياسة ونقاشات تنتهي بالزعل
أما (ع.س)، فترى في هذه الجلسات متنفسًا و"برلمانًا نسائيًا" مليئًا بالضحك والنقاش. تقول:"نتجمع يوميًا تقريبًا، والقات والشيشة حاضرة، نستمع للأغاني، ونتحول فجأة إلى محللات سياسيات ومعارضات ومواليات، والحوارات تصل إلى حد الزعل أحيانًا".
تسويق منتجات.. وسط دوامة من الغيبة والنميمة
أم خالد، وجدت في هذه الجلسات فرصة لـ"تسويق البخور والعطور" التي تصنعها في منزلها. لكنها لا تُخفي دهشتها من تنوّع المحتوى:"أحيانًا نتحول من نقاش سياسي إلى حديث عن المسلسلات التركية، ثم نغرق في قصص الأزواج والخلافات... كله في جلسة واحدة"
نساء يرفضن: "هذه المجالس خطر على كرامة المرأة"
بلقيس أحمد، موظفة، هجرت هذه المجالس بعد أن طفح بها الكيل من "الحديث السوقي والبوح بأسرار غرف النوم".
تقول:"البعض يعتقد أن الحديث عن العلاقة الحميمية يخفف الضغط، لكني وجدته إهانة للنفس وفضيحة غير مبررة".
أما أم عمر، فتصف تجربتها بالمرّة، إذ كانت تُحب هذه المجالس، لكنها صُدمت بكم النميمة وكشف الخصوصيات، وتقول:"انسحبت، وبدأت أركّز على تطوير ذاتي ومسؤولياتي، وارتحت كثيرًا".
بيع علني للشيشة و"التفاخر" في المحلات
صاحب محل شيشة في شارع العواضي بتعز قال: "الفتيات من عمر 17 إلى 50 يزرن المحل يوميًا أو أسبوعيًا، بعضهن يُغيرن الشيشة باستمرار حبًا في الظهور بين الصديقات."
تعتقد كثير من النساء أن مجالس القات والشيشة تُظهرهن بشكل عصري ومتحضر، خصوصًا مع الملابس اللافتة والمكياج والإكسسوارات الفاخرة، والمشروبات والوجبات الخفيفة التي تُقدّم في جو أشبه بـ"مهرجان نسائي صغير".
لكن الحقيقة أن هذه المجالس، وإن كانت ممتعة للبعض، قد تُحوّل العلاقات الزوجية إلى مادة للاستهلاك، وتنقل المرأة من خانة الوعي إلى ساحة الفوضى.