تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية تنفيذ واحدة من أوسع حملات القمع والاختطاف في محافظة إب، وسط تصاعد القلق الشعبي والحقوقي إزاء مصير عشرات المختطفين من أكاديميين وتربويين وأطباء ونشطاء، في خطوة وصفت بأنها "سياسة خنق ممنهجة لصوت المجتمع المستقل".
وأكدت مصادر محلية متطابقة أن المليشيا اختطفت خلال الساعات الماضية التربوي صديق العباب، إلى جانب الدكتور محمد هادي الفلاحي، الدكتور ماجد السبئي، الأستاذ محمد المحني، جميل المنحمي، أحمد الدميني، إضافة إلى آخرين من مديريات متعددة بالمحافظة.
وترافقت هذه الاعتقالات مع مداهمات مسلحة وتهديدات واسعة طالت منازل ومحلات شخصيات اجتماعية في مديريات الظهار، العدين، السياني، ومذيخرة، ضمن تصعيد بدأ أواخر مايو الماضي، وشمل أكثر من خمسين شخصية من فئات المجتمع المدني والأكاديمي.
وكشفت مصادر مطلعة أن مسؤولي الأمن أبلغوا قيادة المحافظة قبل ثلاثة أشهر بوجود قائمة سرية تضم 200 شخصية وصفوهم بـ"المرجفين"، تمهيدًا لـ"استضافتهم" في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، وهو توصيف يُستخدم للتغطية على الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري.
وتشير المعلومات إلى أن الاعتقالات ركّزت على شخصيات ذات تأثير مجتمعي وشعبي، خصوصًا من الأطباء والمعلمين والمحامين المعروفين بخدمتهم المجانية للناس أو نشاطهم الثقافي والتوعوي، مثل الطبيب أحمد ياسين، الدكتور طه عثمان، المحاميين فيصل الشويع وحميد الحبري.
وتقول مصادر في شرطة إب إن المليشيا تعيش حالة ارتباك ورعب داخلي منذ حادثة مقتل الشاب حمدي المكحل داخل أحد أقسامها في مارس 2023، والتي فجّرت موجة غضب عارمة لم تهدأ بعد، وزادها اشتعالاً اعتداء مسؤول أمني حوثي على عامل مطعم في مايو الماضي، ما فجّر حملة إلكترونية ساخرة كشفت هشاشة السلطة الحوثية في المدينة.
هذه الضغوط دفعت الجماعة إلى إصدار تعليمات مشددة عبر "عقال الحارات" بمراقبة الشباب ونشطاء التواصل الاجتماعي، وتهديد أهاليهم بعواقب وخيمة إذا لم يتوقفوا عن النشر أو النشاط المجتمعي.
وتؤكد مصادر سياسية أن الجماعة تنفذ خطة تهميش شاملة في إب منذ عامين، أوقفت فيها تواصلها مع أي قوى حزبية أو اجتماعية لا تخضع لها، وشرعت في فرض خطاب عقائدي متطرف بالقوة، عبر الترهيب والاختطاف والتجويع والتمييز، بهدف تفكيك المجتمع المدني واستبداله بشبكات ولاء مذهبية ومسلحة.
ويقول مراقبون إن ما يحدث في إب ليس مجرد حملة أمنية، بل "تطهير ناعم" يستهدف خنق أي مراكز قوة اجتماعية حرة خارج سيطرة الجماعة، وخاصة تلك التي ما زالت ترفض الانخراط في خطاب الحوثيين الطائفي أو تشكك بمشروعهم العنصري.
وما يضاعف القلق أن العديد من المعتقلين تم نقلهم إلى صنعاء، بينما ترفض المليشيا الكشف عن أماكن احتجازهم أو السماح لأسرهم بزيارتهم أو توكيل محامين، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية.
ويحذر حقوقيون من أن إب قد تتحول إلى سجن جماعي صامت، إذا لم يُكسر هذا الصمت، وتُرفع الأصوات لمناصرة المختطفين ومواجهة هذا التوحش الأمني الذي يمارس القمع باسم العقيدة وتحت راية الموت.