وسط أوضاع اقتصادية خانقة، وواقع أمني متدهور، وانهيار مستمر في مؤسسات الدولة، انطلق العام الدراسي الجديد في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية، ككابوس ثقيل يؤرق الأسر اليمنية، ويحوّل التعليم إلى عبء يفوق القدرة والتحمل.
العام الذي كان من المفترض أن يبث الأمل في نفوس الطلاب والطالبات، بدأ هذه المرة مشحوناً بالخوف، والمجهول، وسط شكاوى متزايدة من تضييق معيشي، واستغلال طائفي، وابتزاز مالي ينهش جيوب الفقراء.
و يعيش آلاف الطلاب وأولياء الأمور في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين واقعاً مريراً مع بدء العام الدراسي الجديد، حيث يجدون أنفسهم أمام معركة قاسية لتوفير أبسط مقومات التعليم، من زي مدرسي ودفاتر وحقائب، إلى رسوم مفروضة بقرارات غير قانونية من قِبل الجماعة.
وما يزيد من معاناة الناس، أن المدارس الحكومية لم تعد كما كانت، فقد تحولت إلى هياكل خاوية أو مخازن سلاح، بينما انتشرت المدارس الخاصة كالفطر، في كل زقاق وشارع، وكأن التعليم أصبح تجارة بامتياز تُدار من قِبل مشرفي الجماعة.
مصادر تربوية كشفت أن المليشيا الحوثية فرضت هذا العام ما يسمى بـ"رسوم دعم المناسبات الطائفية" على المدارس، وألزمت إداراتها بالمشاركة في فعاليات دعائية لا تمتّ للعملية التعليمية بصلة، بل تعزز توجه الجماعة في غسل أدمغة الأجيال الناشئة.
كما واصلت المليشيا تعديل المناهج الدراسية لتضم مفردات مذهبية وأسماء طائفية، مع تغييب كامل لثورة سبتمبر ومفاهيم الجمهورية، في محاولة لصياغة وعي الطلاب بما يخدم أيديولوجيتها المستوردة من إيران.
وبحسب شهادات معلمين، باتت خطب التعبئة والتحريض الطائفي جزءاً من الطابور الصباحي اليومي، تُخصص لها حصص دراسية، وتُعلّق الشعارات الطائفية في كل ركن، في مشهد يُحوِّل المدرسة من صرح تعليمي إلى منبر تحشيد.
و يشكو المواطنون من عدم قدرتهم على تسجيل أبنائهم، في ظل توقف الرواتب، وتوسع رقعة الفقر، وتضاؤل المساعدات الإنسانية، ليتحوّل التعليم من حقّ دستوري إلى حلم بعيد المنال.
أحد أولياء الأمور، يعمل في بيع الخضار، قال إن كل عام دراسي جديد يُدخله في صراع مع نفسه: "هل أرسل أولادي للمدرسة وأغرق في الديون، أم أتركهم في البيت فريسة للجهل وتجنيد الحوثيين؟". ثم يضيف: "لن أسمح لهم أن يهزموني... سأُعلّم أولادي حتى لو كان الثمن حياتي".
ما كان يُعتبر عيباً قبل سنوات، أصبح اليوم أمراً واقعاً؛ المدارس الأهلية التي كانت الخيار الأخير أصبحت الملاذ الوحيد، حتى وإن كانت مجرد شقق سكنية. يقول أحد المعلمين: "تحوّلنا من أصحاب رسالة إلى فائض بشري لا تريده الجماعة... فالمعلم في نظرهم عدو لا بد من تحييده".
و في ظل هذا المشهد الكارثي، يُطالب الأهالي والمنظمات المحلية والدولية بالتدخل العاجل لإنقاذ العملية التعليمية في مناطق الحوثي من السقوط الكامل، محذرين من أن استمرار تسييس التعليم، وتجهيل الأجيال، يزرع قنابل موقوتة ستنفجر في وجه اليمن والمنطقة مستقبلاً.