في الوقت الذي تغرق فيه شوارع مدينة تعز وأحياؤها في أكوام القمامة، وتتحول الأرصفة إلى خرائب مهملة، والحدائق إلى دورات مياه مفتوحة، يتصدر صندوق النظافة والتحسين مشهد الجباية المنفلتة والابتزاز المنظم، بعيداً كل البعد عن أهدافه الخدمية المفترضة.
من خدمة المواطن إلى إرهاقه
تحوّل صندوق النظافة في تعز إلى عبء ثقيل على كاهل السكان، بعدما اختزل مهامه في تحصيل الأموال من المواطنين والمؤسسات، بأساليب عشوائية تفتقر إلى الضبط والمشروعية، دون أن تنعكس هذه الموارد الضخمة على واقع النظافة أو المظهر الجمالي للمدينة.
أحياء المدينة تعاني من فقر صارخ في الخدمات، شوارع تغصّ بالقمامة، أرصفة مدمرة بلا طلاء، لا سلال للمهملات، ولا زهور ولا أشجار، أما الجزر الوسطية فتحولت إلى مكبات وروائح كريهة، تعجز الكلمات عن وصفها، بينما تسرح الكلاب الضالة والقطط المشردة في الأزقة والحارات، في ظل انعدام شبه تام للإنارة.
ذريعة لا تُقنع أحداً
يُبرر مسؤولو الصندوق تقصيرهم الدائم بشُحّ الإيرادات والحصار، وهي حجة لا تصمد أمام حقيقة أن للصندوق ميزانية محلية مستقلة وإيرادات مستمرة من السوق التجارية المحلية، التي لم تتوقف يوماً رغم الحرب، ولا تزال تجني منها المليارات.
نهب مفضوح وتجاوز للقوانين
وبحسب تقارير رسمية، فإن صندوق النظافة أصبح بؤرة فساد مالي وإداري متراكب، تمارس فيه عمليات تحصيل غير قانونية، وصرف عبثي لموارد ضخمة تحت مسميات وهمية، مثل: مساعدات ومكافآت وبدلات وانتقالات ومصروفات شخصية لكبار المسؤولين، ودعم جهات حكومية بلا سند قانوني.
اللجنة الوزارية تكشف المستور
تقرير صادم أعدّته لجنة من وزارة الإدارة المحلية كشف عن اختلالات جسيمة في تحصيل الإيرادات وإنفاقها، منها:
صرف أكثر من 310 ملايين ريال فُقدت بسبب ضعف المتابعة.
شيكات بدون رصيد جرى تمريرها بتلاعب محاسبي.
صرف أكثر من 180 مليون ريال في نفقات تشغيلية رغم وجود دعم خارجي.
عدم الاستفادة من مساعدات تجاوزت 400 مليون ريال قدمتها منظمات خلال 2022.
فارق مالي مريب يتجاوز 7 ملايين ريال بين عقود رسمية ودفاتر الصندوق.
"التحسين".. واجهة جباية وابتزاز
مندوبي الصندوق يجوبون الشوارع والأسواق والأحياء بصفة رسمية أو غير رسمية، يفرضون رسوماً على كل شيء؛ من المحلات والبقالات والعربات إلى سائقي الباصات والشاحنات.
سائقو الباصات في تعز، الذين يتجاوز عددهم 2000 باص، يدفع كل منهم يومياً 300 ريال، ما يعني أن الصندوق يجني أكثر من 7 ملايين ريال يومياً من هذا القطاع فقط، تذهب لجهات "مجهولة" لا يعرفها سوى المنتفعون والنافذون.
منظومة فساد صامدة أمام التغيير
ورغم تغيّر قيادات الصندوق منذ 2018، لم يتغير شيء في أدائه سوى ازدياد حجم الفساد، مما جعله إحدى أكثر الجهات المحلية مقاومة لأي إصلاح أو مساءلة، مدعوماً بغطاء من السلطة المحلية التي تستفيد من هذه الفوضى المنظمة.
مطالب بمحاسبة ومراجعة شاملة
التقرير الوزاري أوصى بمساءلة قيادات الصندوق، ومراجعة الالتزامات المالية، والتحقيق في نفقات بالمليارات تم صرفها دون مسوغ قانوني، في وقت تغيب فيه أبسط الخدمات من حياة المواطنين الذين يتنفسون العذاب يومياً في مدينة ينهشها الإهمال والفساد معاً.