في ظل الضربات الجوية الإسرائيلية التي أودت مؤخراً بحياة قيادات من "الحشد الشعبي" العراقي وحزب الله اللبناني داخل طهران، تتصاعد التساؤلات عن مصير شبكات الحوثيين السرية العاملة في إيران، وطبيعة مهامهم في قلب العاصمة الإيرانية، التي تحوّلت إلى مركز تخطيط وتمويل وإدارة حروب الجماعات التابعة لمحور طهران.
وفق معلومات دقيقة كشفتها منصة "ديفانس لاين" المتخصصة في الشأن العسكري، فإن ممثلية الحوثيين في إيران، التي بدأت شكليًا كمكتب دبلوماسي عقب تسليم النظام الإيراني لمقر السفارة اليمنية في نهاية 2019، تحوّلت فعليًا إلى غرفة عمليات عسكرية وأمنية، تتقاطع فيها شبكات تهريب السلاح والأموال والتقنيات مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
ووفقاً للمصادر، كانت "الوحدة 190" سيئة الصيت، بقيادة الضابط الإيراني البارز بهنام شهرياري مرالو المكنى "الحاج علي"، هي العقل المدبّر لعمليات الدعم العسكري للحوثيين، من شحنات السلاح والصواريخ إلى الوقود والمخدرات. وقد لقي الحاج علي مصرعه مؤخرًا في إحدى الضربات الجوية الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، ما فتح الباب أمام أسئلة ملتهبة عن مصير الخط اللوجستي الإيراني الحوثي الممتد عبر طهران – صنعاء.
ويظهر في قلب هذه الشبكة إبراهيم محمد الديلمي، ممثل الحوثيين "فوق العادة" في إيران، والذي تم تعيينه بدعم مباشر من النظام الإيراني، واستُقبل على أعلى المستويات من قبل حسن روحاني وجواد ظريف. والديلمي، الذي بدأ عمله ضمن "الجبهة الإعلامية" للحوثيين، كان من المؤسسين الأوائل لقناة "المسيرة" في الضاحية الجنوبية لبيروت، الذراع الإعلامية الحربية للجماعة.
لكن الأخطر، وفق ما أظهرته وثائق حصرية اطلع عليها محرر "ديفانس لاين"، أن الحوثيين استخدموا الغطاء الدبلوماسي لتجنيد كوادر استخباراتية بصفات وهمية. من بين هؤلاء موسى يحيى محمد بردان، المعين كـ"ملحق عسكري" في طهران، رغم أنه لم يخدم يومًا في الجيش اليمني، وتم منحه رتبة "عميد" ورقم عسكري بتوقيع مباشر من مهدي المشاط.
ويُعتقد أن موسى خضع لتدريبات خاصة في إيران وعمل ضمن الدائرة الأمنية الخاصة بالرئيس الحوثي السابق صالح الصماد. إلى جانبه يعمل علي محمد الوقشي (مستشار الممثلية)، وعبدالله محمد شريف (ملحق صحي)، في أدوار تغلب عليها السرية وتفتقد لأي طابع دبلوماسي حقيقي، ما يعزز الشكوك حول كونهم واجهات لنشاطات استخباراتية ولوجستية.
في الجانب الإعلامي والتعبوي، يبرز اسم صادق عبدالرحمن الشرفي، الذي يقيم في طهران منذ سنوات، ويُعرف بمشاركته في الفعاليات الطائفية الإيرانية. الشرفي متهم سابقاً بالتخابر مع طهران، ويقود حالياً حملات استقطاب وتجنيد لشبان يمنيين، يتولّى تسفيرهم إلى معسكرات تدريب في إيران وسوريا والعراق، ضمن مشروع بعيد المدى لتأهيل قيادات عسكرية وطائفية موالية لطهران.
كما يكشف التقرير عن شخصية عدنان قاسم قفله، الذي كان يعمل تحت صفة قنصل وملحق أمني للحوثيين في إيران قبل إعادته إلى صنعاء وتعيينه مسؤولاً عن القوى البشرية في وزارة الداخلية الحوثية. قفله من القيادات المتهمة في ملفات منظورة أمام القضاء العسكري بمحافظة مأرب.
وفي تطور موازٍ، وبعد الضربات التي طالت حزب الله، انتقلت مجموعات حوثية من بيروت إلى طهران، بينما استقر آخرون في سوريا والعراق، وافتتحت الجماعة مكتبًا لها في بغداد بقيادة القيادي أحمد الشرفي الملقب "أبو إدريس"، لتنسيق الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، والتكامل مع فصائل مسلحة عراقية موالية لإيران.
كل هذه المؤشرات ترسم مشهداً مقلقًا عن مدى تعقيد وتشعب شبكة الحوثيين في إيران، وتحول ممثليهم من مجرد دبلوماسيين إلى أدوات حربية في مشروع إقليمي عابر للحدود، يتغذى من صراعات المنطقة ويعيش على اقتصاد التهريب والدمار والطائفية.