تعيش واحدة من أعرق المنارات الإسلامية في اليمن، مسجد أبي موسى الأشعري، حالة من الإهمال الشديد وسط استياء واسع من الأهالي والنشطاء، بعدما تدهورت مرافقه الأساسية بشكل خطير، مهددة بإغلاق أبوابه أمام المصلين لأول مرة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.
المسجد، الذي شُيّد على يد الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري عام 8 هـ، يعد ثاني أقدم مسجد في اليمن بعد الجامع الكبير في صنعاء، ويقع في قلب مدينة زبيد التاريخية، المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي، جنوب محافظة الحديدة. ورغم مكانته الدينية والتاريخية، إلا أن عوامل الإهمال والعبث التي تمارسها ميليشيا الحوثي المسيطرة على المديرية، حولت المسجد إلى مبنى مهجور تفتقر أساسيات الطهارة والعبادة.
ووفقًا لمصادر محلية، فقد توقف عدد كبير من أبناء المدينة عن أداء الصلوات في المسجد، بعد أن أصبحت دورات المياه خارجة عن الخدمة تمامًا، نتيجة الإهمال المزمن وغياب أي تدخلات لترميمها، بالرغم من أن المسجد كان يملك أوقافًا غنية خُصصت عبر قرون لصيانته، من قِبل ملوك وأمراء وتجار وأعيان المنطقة.
وأطلق ناشطون محليون، خلال الأيام الماضية، مناشدات إنسانية عاجلة عبر منصات التواصل الاجتماعي، محذرين من أن استمرار الوضع على ما هو عليه، قد يؤدي إلى إغلاق المسجد بالكامل، ما يمثل ضربة موجعة لذاكرة مدينة زبيد الإسلامية وتراثها.
ويقول أحد السكان: "من غير المعقول أن يُحرم المصلون من أبسط الحقوق كالماء ومرافق الطهارة، في مسجد له هذا الثقل الروحي والتاريخي". مؤكدًا أن سلطات الأوقاف الواقعة تحت سيطرة الحوثيين لم تكتفِ بتجاهل أوضاع المسجد، بل مارست أيضًا نهبًا مستمرًا لأوقافه الزراعية التي كانت مخصصة لدعمه، دون أي عائد يُذكر لصالح ترميمه أو تشغيله.
ويؤكد الأهالي أن غياب دور وزارة الأوقاف ومكتبها في المديرية في تأهيل المسجد أو حتى تخصيص ميزانية بسيطة لصيانة مرافقه، يُعد استهتارًا بالقيمة الرمزية للمكان، وتجاهلًا لمعاناة مجتمع ما زال يحاول التمسك بجذوره الدينية رغم الظروف المعيشية الصعبة والواقع السياسي المعقد.
ويأمل سكان زبيد أن تلقى هذه المناشدات صدى لدى الجهات المعنية، على أمل إنقاذ المسجد قبل أن تكتمل مأساة غيابه عن المشهد الديني، كما يأملون أن تتحرك المنظمات الدولية المعنية بالتراث، لوضع حد لسياسات الإهمال والتدمير الصامت الذي يهدد أحد أبرز معالم الحضارة الإسلامية في اليمن.