يحتشد يوميًّا خلال أيام عيد الفطر السعيد آلاف الأطفال ومئات العائلات من أبناء محافظة تعز في ما تبقى من حدائق ومتنفسات المدينة، في إصرار لا يعرف الكلل، لرسم صورة حياة لمدينة يعزف الجوع، والغلاء، والدمار، والموت فيها لحناً جنائزيًّا موحشًا.
تقصيت آراء عدد من الزائرين لحديقتي الألعاب الوحيدتين في تعز المدينة، حول الدافع الأبرز لإصرارهم على القدوم إلى الحديقتين الواقعتين في متناول قذائف الموت الحوثية.
مشاعر الخوف والقلق من تعرض الحديقتين للقصف في أي لحظة كانت بادية في حديث والد الطفل "نبيل"، فلا مانع من ذلك غير إرادة الله كما عبّر، مضيفًا أنه لا خيار لهؤلاء الأطفال غير التشبث بالحياة، والبحث عن مكان ينسيهم مآسي الحرب، حتى لو كان ذلك المكان في متناول قذائف الموت الحوثية.
روح مدينة "تعز" التي لا تموت تجسدت في سعادة الطفل "أيهم أحمد محمد" (10 أعوام) الذي هرول إلى داخل الحديقة برغبة كبيرة في اللعب والمرح، فهو كما قال سيلعب اليوم كثيرًا، وسيركب السفينة، وسيشتري البالونات الملونة.
أيهم، الذي حضر برفقة أفراد أسرته، لم يُلقِ بالًا لأصوات الرصاص المسموعة بوضوح يضاهي أصوات المرح الصاخب المنبعث من أفواه آلاف الأطفال والعائلات الذين يملؤون الحديقة.
جميع من تقصيت آراءهم في هذا "التقرير" أكدوا أن مقاومة مظاهر الموت ومشاعر الخوف، والتشبث بالحياة، والبحث عن فرصة لنسيان الوجع هو الدافع الأبرز لذلك، حسب ما رصدته.
ومن بين صراخ المرح المتصاعد من أفواه آلاف الأطفال في الحديقتين كنافذتين مفتوحتين على الأمل والحياة في مدينة تحاصرها متارس الموت، يمكن سماع صرخات مدوية في المنازل من شفاه أطفال ملوا البكاء لعجز آبائهم عن اصطحابهم إلى الحدائق، شأنهم شأن أقرانهم من أبناء جيرانهم.
يقول أحمد سعيد إنه لم يستطع بعد أخذ أطفاله إلى الحديقة بسبب الزحام الشديد عليها، برغم إلحاحهم عليه مرارًا، ورغبتهم بقضاء أوقاتهم خارج المنزل في العيد.
ويخطط سعيد للذهاب إلى الحديقة مطلع الأسبوع المقبل، لكنه يعتقد أنه سيقضي وقتًا طويلًا بانتظار حصولهم على فرصة ليلعب أبناؤه بعض الألعاب.
ازدحام دائم
لا يقتصر الازدحام في الحديقتين الوحيدتين على أيام العيد فقط، فبسبب صغر حجمهما مقارنة بالكثافة السكانية الهائلة (أكثر من ثلاثة ملايين ونصف نسمة) يكون الأمر كذلك طوال العام وخاصة يوم الجمعة.
تذكر أم ليان أنها تحزن على أطفالها، خاصة أيام العيد، لأن طاقتهم يستهلكها الانتظار في طوابير طويلة أمام كل لعبة، حتى يجيء دورهم باللعب.
وتضيف: "نحاول تخفيف الضغط النفسي على أطفالنا، والذهاب معهم إلى الحديقة من وقت لآخر، لكن مدينة كتعز تحتاج إلى العديد من المتنفسات، يستطيع الأغلبية زيارتها وقضاء بعض الوقت فيها".
واستطردت أم ليان: "الأمر ليس فقط لتخفيف الضغط النفسي على أطفالنا فقط، بل علينا أيضًا، فمع الحرب أصبحنا نعاني كثيرًا، خاصة مع صعوبة الانتقال للأرياف بسبب الحصار، والوضع غير المستقر، والمعارك المتقطعة، والغلاء المعيشي، وغيرها".
متنفسات بديلة
وبسبب الازدحام في الحديقتين الوحيدتين، يؤجل كثير من المدنيين زيارتهما ليلعب أطفالهم فيها، لكنهم يتوجهون إلى أماكن بديلة.
ومن أبرز المتنفسات، التي يقوم الميسورون بزيارتها، "جبل صبر"، إضافة إلى وادي الضباب، و"منتزه السكون" في مدينة التربة، بينما يصطحب محدودو الدخل أطفالهم إلى حدائق متنقلة على متن عربات يمتلكها أفراد، وأخرى ساعدت في تأسيسها منظمات تحت مسمى "مساحات صديقة"، يتوفر فيها بعض الألعاب البسيطة كـ"الجمباز" و"الجيم" و"الأرجوحة"، ويقصدها غالبًا أطفال الحي ذاته.
ويوجد في تعز كثير من الأماكن الجميلة والطبيعية، لكنها لا تحظى بترويج إعلامي كافٍ، يساعد السكان على معرفتها وزيارتها من قِبل من يستطيعون ذلك.
وقبل اندلاع الحرب، كان هناك -إلى جانب حديقة "جاردن سيتي" الخاصة- حديقة التعاون الحكومية، و"دريم لاند" الخاصة، وأخرى للحيوانات، وهي أيضًا خاصة، لكنها جميعًا -ما عدا الأولى- أصبحت ضمن مناطق سيطرة جماعة الحوثي في تعز.
وبسبب الحرب، أصبح للمدنيين في مناطق الحكومة الشرعية حديقتان فقط، كما حُرم العديد من المواطنين أيضًا من زيارة الريف في الأعياد لتخفيف بعض الضغط عنهم، بسبب ساعات السفر التي تضاعفت كثيرًا مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.