بلد أنهكته الحروب، وتاهت طرقه بين حسابات السياسة وتقلبات القوى، ما يزال اليمن يثبت كل يوم أن جذوره أعمق من أن تقتلع، وروحه أقوى من أن تهزم. ورغم ما نراه من انقسام وجراح وشتات، تجد الشعب بكل أطيافه يتشبث بأمل صغير في آخر النفق، كأنه يعرف يقينًا أن اليمن لا يستحق هذا الظلام، وأن الفجر مهما طال غيابه لا بد أن يأتي.
الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد هي أن اليمنيين تعبوا… تعبوا من الشعارات، من الوعود، من الخلافات، من المتاجرة بآلامهم، ومن مد المعارك زمنًا أكثر مما يحتمل بشر.
لكنهم وهذا سرهم الجميل – لم يفقدوا الإيمان بوطنهم.
كل طفل يولد في جبال تعز، أو صحاري حضرموت، أو وديان إب، أو شواطئ الحديدة، يحمل في عينيه رسالة غير منطوقة: هذا الوطن يستحق أن يعيش.
وهذه الرسالة، أكثر من أي خطاب سياسي، هي التي تبقي اليمن واقفًا.
لقد جرب اليمنيون كل شيء؛ جربوا صخب السلاح، وجربوا صمت الجياع، وجربت القبيلة أن تكون دولة، وجربت المدينة أن تعيش بلا دولة وفشل الجميع في صناعة مستقبل حقيقي.
واليوم، وبعد كل هذا الدرس المر، يظهر السؤال الكبير: أليس آن الأوان أن يجرب اليمنيون شيئا واحدًا لم يجرب بعد… أن يكونوا معا؟
أن يقرر الشعب أنه أكبر من خلافاتهم، وأن اليمن ليس ملكًا لتيار، ولا لقبيلة، ولا لسلاح، ولا لجغرافيا ضيقة.
اليمن ملك ناسه.
ملك أمهات ينتظرن أبناءهن.
ملك طلاب يريدون مدرسة لا تغلق عند أول أزمة.
ملك مزارعين يسقون الأرض رغم أنهم لا يعرفون ماذا سيحصدون غدًا.
ملك رجالٍ ونساء حلمهم الوحيد أن يعيشوا بسلام.
اليوم، نحن بحاجة إلى صوت عاقل يقول: دعونا نرفع اليمن قبل أن نرفع شعاراتنا، ونبني ما تهدم قبل أن نبحث عمن نلومه، ونستعيد الإنسان قبل أن نبحث عن المكاسب.
ليكن هذا الزمن، بكل أوجاعه، بداية جديدة وزمنًا يعيد لليمن اعتباره، ويعيد للشعب ثقته، ويعيد للغد شكله الذي يستحقه.
ولعل أجمل ما في اليمن، أنه مهما اشتدت العواصف، يبقى الناس يقولون: ما زالت في البلد بقية خير ولن نتركها تضيع.