خلال السنوات الماضية، كنت أُسأل كمتابع للشأن اليمني: هل ستنتهي الحرب فعلا؟ هل ستنجح المبادرات التي تسعى إلى إنهاء الحرب في اليمن؟ هل سيتحقق السلام؟
كنت أجيب: مسألة وقت فقط.. والحوثي سيركل الطاولة أمام الجميع.
إجابتي هذه ليست ناتجة عن دهاء أو خبرة سياسية، فكل من يعرفون الطبيعة العقائدية والفكرية للحوثيين يحملون هذه القناعة، كما أن انقلاب الحوثيين على الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت معهم خلال العقود الثلاثة الماضية كاف ليصل الناس إلى هذه القناعة.
انتهت حرب غزة، ووجد الحوثيون أنفسهم أمام فراغٍ شعاراتي بعدما تلاشت الشعارات التي كانوا يستخدمونها لتبرير فشلهم في مناطق سيطرتهم ولجعل اليمنيين في حالة استنفار دائم تنسيهم حقوقهم واحتياجاتهم الأساسية التي يجب على الجماعة أن توفرها باعتبارها مسيطرة على مؤسسات الدولة وتتحصل إيرادات هائلة. وأمام هذا الواقع ومع هذا الانكشاف، بدأوا مجددا بدق طبول الحرب التي يريدونها داخل اليمن، كما بدأت تهديداتهم ضد المملكة العربية بهدف ابتزازها.
والحقيقة أن الحوثية ستتجه إلى الحرب عاجلا أم آجلا، في هذا العام أو في الأعوام القادمة.. هي تتحين الفرصة المناسبة فقط، وتبحث عن المبررات التي قد تنجح من خلالها اقناع أتباعها.
بالأمس تابعت كلمة الفريق الركن طارق صالح
@tarikyemen، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي - قائد المقاومة الوطنية ورئيس مكتبها السياسي، والتي أشار فيها إلى حتمية فرض السلام من خلال الحرب والقوة. هذه العبارة الهامة مفادها أن العدالة في بعض الحالات لا تصان إلا بالقوة والحرب، تماما كالمريض الذي لا يشفى أحيانا إلا بمشرط الطبيب رغم الألم.
ما قاله القائد طارق صالح ليس شعارا عسكريا، بل هو تلخيص لإحدى القواعد الجوهرية في الفلسفة السياسية والأخلاقية للحروب، وهي قاعدة دار حولها كثير من النقاش عبر التاريخ وداخل المؤسسات البحثية والعسكرية، وتعرف باسم "نظرية الحرب العادلة" (Just War Theory).. أي النظرية التي تبحث في الشروط الأخلاقية والقانونية التي تجعل الحرب مبررة وعادلة.
وقد تناولتها بالتفصيل موسوعة ستانفورد للفلسفة (Stanford Encyclopedia of Philosophy) في دراسة للباحث بابلو كالمانوفيتز. وتسمى أحيانا "الحرب الأخلاقية" لأنها تربط بين استخدام القوة وبين مبادئ العدالة والإنسانية.
تقول هذه النظرية إن الحرب ليست شرا مطلقا، بل قد تكون في بعض الحالات ضرورة أخلاقية وإنسانية لإنهاء ظلم دائم أو عدوان مستمر. كما حددت هذه النظرية شروطا أساسية لتبرير اللجوء إلى الحرب، وهي:
أولا: السبب العادل
لا يجب أن تشن هذه الحرب إلا لأسبابٍ عادلة، مثل الظلم الكبير الذي لا يتوقف، أو العدوان المستمر، وبهدف الدفاع عن النفس أو الحقوق الأساسية.
في الحالة اليمنية، فالحوثيون هم من يسعون إلى إشعال الحروب في الأصل، ولأنهم يحملون عقيدة عنصرية متطرفة حملوا بنادقهم وخرجوا من منازلهم واعتدوا على مؤسسات الدولة منذ العام 2004. وبرغم سيطرتهم على رقعة جغرافية كبيرة وإمكانيات هائلة وتسببوا بمقتل مئات الآلاف من اليمنيين وهجروا ملايين آخرين، إلا انهم يعدون أنفسهم لشن حروب أخرى سواء داخل الحدود اليمنية أو خارجها.
ضف إلى ذلك أن الحوثية تمارس ظلما ممنهجا وتجويعا قاسيا للناس، إلى جانب عمليات التهجير واستهداف معتقدات اليمنيين وثقافتهم. وهذا عدوان وظلم مستمر ودائم يشهده العالم، وأثبتته التقارير الحقوقية والإنسانية الدولية والمحلية.
ثانيا: السلطة الشرعية
في الحالة اليمنية، تملك الحكومة اليمنية الشرعية لخوض هذه الحرب لرفع الظلم عن اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثي وإعادة ملايين المهجرين إلى منازلهم في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين. المؤسسات اليمنية الشرعية معترف بها دوليا وإقليميا وداخليا، كما إن كل الأحزاب اليمنية لا تعترف بالحوثيين، بل بالحكومة الشرعية بالرغم من التحديات التي تواجهها.
ثالثا: النية الصحيحة
يجب ألا يكون هدف "الحرب العادلة" هو الانتقام، بل تحقيق الاستقرار والسلام الدائم الذي يضمن العدالة والمساواة والمواطنة المتساوية. وهذا ما تهدف إليه الحكومة اليمنية. فتحرير اليمن من الحوثيين ينهي الهيمنة العنصرية المثبتة في أدبياتهم وممارساتهم، ويعيد للمواطنين أمنهم وكرامتهم، وينهي معاناة ملايين المدنيين الخاضعين للابتزاز والتجويع والاستهداف العرقي والديني.
رابعا: الحل الأخير
تقول النظرية إن الحرب لا يمكن التبرير لها إلا بعد استنفاد الوسائل السلمية، ومحاولة تجريب كل الحلول التي تحرص على عدم اندلاع المعارك.