آخر تحديث :الجمعة-12 ديسمبر 2025-04:34م

هواشم الجنوب العربي وسردية لجان "اللجنة الخاصة"

الجمعة - 12 ديسمبر 2025 - الساعة 03:43 م

صالح ابوعوذل
بقلم: صالح ابوعوذل
- ارشيف الكاتب


‏في العام 2020م، وحين سقطت فرضة نهم وتلتها انتكاسة ما يسمى بالجيش الوطني التابع للإخوان المسلمين في مأرب، ثم سقوط كامل محافظة الجوف على حدود المملكة العربية السعودية، مرورًا بقانية في البيضاء، ثم مديريات بيحان في شبوة وحريب في مأرب، كانت تلك الهزائم الجماعية تمثل صدمة لحلفاء المملكة والجهات التي استثمرت فيها لسنوات. غير أن ما جرى بعد ذلك كان أخطر من السقوط العسكري: كان سقوطًا في قراءة المشهد، وفي طريقة صناعة خطاب الصراع.

فبدلًا من مواجهة الانتكاسة واستعادة المناطق والأسلحة التي استولى عليها الحوثيون، اتجه المسؤولون عن "الملف اليمني" في المملكة – بقيادة السفير محمد بن سعيد آل جابر – إلى إنتاج سردية بديلة: تحويل الصراع إلى صراع طائفي عرقي جهوي. فجرى استدعاء مصطلح تاريخي (الأقيال)، وتوظيفه بطريقة سياسية لتأجيج خطاب يستهدف "الهاشمية الجنوبية" تحديدًا، بينما لم يقترب هذا الخطاب يومًا من "الهاشمية الإخوانية" الممتدة من آل عبود الشريف في مأرب إلى آل زيد الشامي صعدة.

وهنا أقف لأدافع عن شعب الجنوب العربي الأصيل، بكل تنوعه الثقافي والديني والاجتماعي، وأواجه سردية اللجنة الخاصة التي أرادت تسويق فكرة "الصراع المناطقي" من قبيل: ما دخل يافع والضالع في حضرموت؟ وما شأن أبناء أبين في المهرة؟ هذه السردية التي رعتها اللجان منذ سنوات فشلت فشلًا ذريعًا، رغم أن محللين عسكريين يظهرون على قناتي العربية والحدث — من فنادق الرياض والقاهرة والدوحة وإسطنبول — انجرفوا وراء هذه الطروحات.

وأحد أولئك المحللين، الذي يظهر باستمرار على العربية والحدث، راح ينتقد قرارًا لقائد محور الغيضة اللواء محسن مرصع بتعيين قائد لواء من أبناء دثينة، مستنكرًا لماذا لا يكون التعيين من أبناء المهرة... وكأن الجنوب واليمن قائم على منظومات "المحاصصة الجغرافية"... هذه ليست مشكلة اليمنيين والجنوبيين، بل مشكلة من يظن أن إثارة المناطقية ستخدم طموحاته الخاصة.

وفي سياق الدفاع عن الحقيقة، أتوقف هنا عند الهجوم الذي شُنّ على الأستاذ عبدالقادر فدعق من قبل أدوات اللجنة الخاصة، ووصفه بـ"الحوثي". وللتذكير فقط، فإن الانتصار الوحيد الذي تحقق في مواجهة الحوثيين كان قادته — في الميدان — من الهاشمية الجنوبية.

ومن باب التأريخ: في العام 2014م، كان نائب الرئيس الجنوبي السابق الحبيب عبدالرحمن الجفري يحشد لمعركة الدفاع عن الجنوب، وقد أكد في مقابلة صحافية أنه وجّه ثلاث رسائل للحوثيين محذرًا إياهم من مغبة التوغل جنوبًا، وطالب الرئيس هادي بالعودة إلى عدن ليكون رئيسًا للجنوب العربي.

وعندما بدأ العدوان على الجنوب، كان قادة ميدانيون من بين صفوف الهاشمية الجنوبية في طليعة المدافعين: من هاشم السيد إلى عبداللطيف السيد بافقيه الذي دفع حياته في معارك ضد الإرهاب القادم من مأرب — بحسب الضربات الأمريكية التي استهدفت قادته هناك. ويكفي سؤالًا واحدًا لمعرفة الحقيقة: من هم قادة التنظيمات الإرهابية في مأرب؟

كما كان في مقدمة الأبطال: اللواء صالح السيد قائد مكافحة الإرهاب في لحج، عبدالعزيز الجفري في شبوة، والعشرات من القيادات الوطنية الشجاعة.

المختصر المفيد: الهاشمية الجنوبية هاشمية وطن… لا هاشمية سلالة... هاشمية قاتلت لأجل الأرض والهوية والإنسان، ولم تكن يومًا في صف الإمامة.

أما السلالية الحوثية التي يتحدث عنها "خبراء اللجنة الخاصة"، فهي التي تحكم صنعاء الآن مستندة إلى خنوع شيوخ قبائل حاشد وبكيل، الذين لم يطلقوا طلقة واحدة — رغم الأموال التي تدفقت عليهم نصف قرن عبر اللجنة الخاصة. فبدلًا من محاكمة الهاشمية الجنوبية، اسألوا:

أين صادق الأحمر؟

أين حسين الأحمر؟

أين أمين عاطف؟

وأين مئات المشايخ الذين صوّرتم الصراع على أنه بينهم وبين الهاشمية؟

همسة: فكرة تغذية الصراع المناطقي في الجنوب لن تنجح.

ولا يمكن لعاقل أن يقبل بمعادلة عبثية من نوع: أخرجوا أبناء الجنوب من حضرموت والمهرة… مقابل إخراج أبناء ذمار وعمران وصعدة والجوف والمحويت وتعز وإب من مأرب!.. هل يستقيم هذا يا لجنة خاصة؟ هل يمكن أن يكون مشروعًا يا بن عبيد القحطاني وأنت ترفع شعار "تصفير المشاكل"؟ أم أنه مجرد استمرار لنهج تقسيم الجنوب وإضعافه ليظل ساحة بلا سيادة؟

الجنوب اليوم أقوى ووعيه أعلى، ولن يُلدغ من الجحر مرتين.


من صفحة الكاتب على إكس