آخر تحديث :الأحد-19 أكتوبر 2025-12:05ص

هوامش على دفتر الهزائم العربية

الأحد - 19 أكتوبر 2025 - الساعة 12:05 ص

حسين الوادعي
بقلم: حسين الوادعي
- ارشيف الكاتب


هامش أول: في أن الاعتراف بالهزيمة شرط لتجاوزها


الإصرار على ضرورة الاعتراف بالهزيمة ليس ترفًا فكريًا، بل شرط أساسي للنهوض.

فالإنكار النفسي Denial، وهو آلية دفاع نفسي يلجأ إليها العقل لتجنّب مواجهة الواقع المؤلم، وحين يعجز الفرد أو الأمة عن تقبّل الفشل، يُنكرانه لا شعوريًا لحماية صورتهما عن الذات.

لكن ما يبدأ كحماية مؤقتة، قد يتحول إلى عقدة إنكار مزمنة…

رفض دائم للواقع يُكرّس الضعف ويكرر الهزيمة.


وعقدة الإنكار والتعلق بالهزيمة لها ثمن باهظ — لأنها تمسخ القدرات الذهنية للأمة وتغيبها عن الواقع.

كما في العلاج النفسي، لا يمكن للفرد أو الأمة أن تتجاوز أزمتهما دون مواجهة الحقائق، فالهروب أو التبرير يعطل التعلم ويكرّس الفشل. الاعتراف بالهزيمة يفتح الباب للمراجعة، وللتعلم من الأخطاء، ولإعادة البناء على أسس واقعية.



هامش ثانٍ: في أن الهزيمة العربية دخلت مرحلة التثبيت


عندما نرفض مواجهة الهزيمة، تتحول لحظة فشل واحدة إلى سلسلة هزائم متكررة.

على سبيل المثال، هزيمة 1948 في فلسطين مهدت لسلسلة من الهزائم العسكرية والسياسية في العقود اللاحقة، وهزيمة 1967 جاءت لتكرس الشعور بالهزيمة الجماعية، حيث أصبح الكثيرون يعيشون في زمن الماضي ويكررون الأخطاء نفسها.

هنا يظهر مفهوم التثبيت النفسي (Fixation)، أي توقف الأمة عند مرحلة معينة من الصدمة، ما يمنع التعلم والتقدم، ويحوّل التاريخ إلى سجلات من الألم المتكرر بدل أن يكون مصدرًا للتجربة والنمو.


الإنكار هو رفض الاعتراف بالهزيمة،

أما التثبيت فهو العيش داخلها دون وعي.

الإنكار يُغلق الوعي، والتثبيت يُجمّد الزمن.

كلاهما يمنعان التعافي والنضج، سواء عند الفرد أو عند الأمة



هامش ثالث: في أن الهزيمة العربية تحولت إلى هوية


الهزيمة الأخيرة غالبًا ما تكون الأقسى لأنها شاملة، شبه نهائية، ولا يوجد شماعة نعلق عليها المسؤولية، فهي تفرض مواجهة الذات بلا مساعدة من الماضي.

ولأن المواجهة غير ممكنة والانكار قائم والتثبيت قوي تتحول الهزيمة الى هوية. تتحول من حادثة خارج الذات الى جزء أصيل من الذات. تستبطن الذات المهزومة هزيمتها وتدمنها وتتوقف عندها متيمة بها كما يستمتع العاشق البائس بدموع الأغاني البائسة وقصص الحب المريض.

يصبح التعافي من الهزيمة أصعب لانها اختلطت بالذات وصار الذات المهزومة اللاواعية ترى نفسها شيئا واحدا هي والهزيمة وشروطها وأسبابها وشعاراتها.

يصبح وفض الهزيمة وفضا لها، وانتصار الهزيمة انتصارا لها.. ويله من انتصار أسوأ من ألف هزيمة.


هامش رابع: في ضرورة الانتقال من الانتصارات المهزومة إلى الهزيمة الخلاقة


لكن الهزيمة ليست النهاية.

الهزيمة الخلاقة هي التي تُستثمر لتصبح نقطة مراجعة وتجربة للتعلم، وتحفّز الابتكار والنهوض. عندما نعترف بالهزيمة، نفتح المجال لتغيير الواقع بدل الهروب منه، ولإعادة صياغة التاريخ بما يخدم المستقبل. الهزيمة الخلاقة تحوّل الألم إلى فرصة، والفشل إلى درس، والمعاناة إلى محرك للنهوض.

الهزيمة اليابانية الخلاقة نقلتها الى مصاف الدول الاكثر تقدما، والهزيمة الألمانية الخلاقة أعادتها الى التاريخ الانساني والهوية العالمية.

نحناج هزيمة خلاقة واحدة لنمسح آثار عشرات الهزائم المنتصرة.


هامش خامس: في لا أخلاقية الانتصارات المهزومة


للتمسك بوهم النصر ثمن أخلاقي.

في غزة، على سبيل المثال، تحول مؤيدو الانتصارات المهزومة إلى تمجيد الميليشيات الطائفية، وإلغاء حق الإنسان الفلسطيني في الحياة الكريمة.

تصبح الانتصارات مجرد شعارات على الورق، بينما الواقع الإنساني مليء بالموت والمعاناة. الانتصارات التي تبنى على الإنكار، أو الدفاع عن الموت، أو احتقار حق الحياة هي انتصارات مهزومة أخلاقيًا، من يؤيدها ينمسخ، يتحول إلى حيوان شعارات لا أخلاقي لا يلقي بالا لأي قيمة إنسانية غير قيمة الوهم والشعار.

مهما بدا تبرير الهزيمة مبررًا من الناحية النفسية، فإنه يفقد أي مبرر أخلاقي. مدمن التمدح بالهزائم يصبح بالضرورة عدواً للأخلاق ونازعا للإنسانية: إنسانية الضحية الذي لا يبقى له من غاية غير الموت، وإنسانية المهووس بالنصر المهزوم الذي لا يبقى له من خيار سوى السقوط المستمر في تبرير جرائم الميليشيات.


@highlight